في يوم من الأيام فوجئ أهل بلدة جاسبر Jasper الكندية بظهور لافتات على الطرق بتحذرهم من السماح لحيوان الموظ بلعق سياراتهم، صور اللافتات انتشرت على الإنترنت والناس مبقتش فاهمة هو إيه اللي هيحصل يعني لو الموظ لحس عربية، وإيه أصلاً اللي يخليه يعمل كده، والأهم من ده وده هو إزاي واحد هيعرف يمنع حيوان أقرب لدبابة متحركة من لحس عربيته ولا حتى لحسه هو شخصيًا.

هو إيه الموظ ده؟

في البداية كده الموظ هو أكبر أنواع الأيِّل على الإطلاق، وزنه في المتوسط بيعمل 400 كجم، لكن سهل يوصل لـ 700 وممكن يعدي الـ 800 كجم كمان، يعني بتتكلم في حيوان وزنه أقرب لـ 1 طن ماشي على الأرض، الذكور معروفين بإسم الثيران وسهل تعرف السبب أول ما تبص على القرون المتفرعة الموجودة على رأسهم بعكس الإناث، ارتفاع ذكر الموظ البالغ بيتراوح من متر ونص لـ 2 متر كاملين، والـ 2 متر دوول هما ارتفاعه عند الكتفين من غير ما تحسب رأسه ولا القرون اللي عليها، يعني لو واحد واقف قدامه مش هيوصل لكتفه أصلاً، إنما بقى لو حسبنا القرون كمان فأنت كده بتتكلم في ارتفاع يقترب من الـ 4 أمتار، أي ما يعادل ارتفاع مبنى مُكون من دور وشوية، وطبعًا لما حيوان يبقى عامل زي الدبابة بقرون ماشية على الأرض، فعدد محدود من الحيوانات اللي عندها من الشجاعة الكافية أو من اليأس أو حتى الغباء الكافي لمهاجمته،
الذئاب مثلاً ممكن تهاجمهم، إلا إن حتى مجموعة كاملة من الذئاب هتتردد كتير قبل ما تفكر تختبر قوة ذكر موظ بالغ، وعلى الرغم أن الدببة الرمادية معروفة باستهدافها للموظ، إلا إنهم عارفين إن حيوان بالحجم ده ماشي على ارتفاع 2 متر من الأرض ولابس 2 متر من فروع الشجر على دماغه زي الطاقية، صعب الدببة تقرب منه إلا لو كان الخيار الوحيد أو الأخير قدامهم؛ عشان كده هتلاقي إن الحيوان الوحيد الغبي بالشكل الكافي لمهاجمة ذكر موظ بالغ هو ذكر موظ زيه؛ فذكور النوعية دِه من الحيوانات بيعتادوا الصراع على الإناث وبيدخلوا في معارك طاحنة مع بعض بقرونهم المتفرعة، وأحيانًا بتشبك قرونهم في بعض ومابيعرفوش يفكوا نفسهم منها، وساعتها يا يموتوا من الجوع بقى يا إما من الإجهاد، أو إن صياد محظوظ يخلص عليهم ويبقى اصطاد له أتنين مشبوكين في بعضهم وجاهزين أن يخلص عليهم، وفيه حادث قبل كدا حصل لذكرين فضلوا شابكين في بعض لحد ما إنتهى بيهم الحال على وضعهم في بحيرة متجمدة واتجمدوا معاها.

وبمناسبة البحيرات، فلك أن تتخيل إن حيوان بالصفات دِه بيعرف يعوم، بل إن تم رصده وهو بيقطع مسافات في المياه تصل لبضعة كيلومترات في المرة الواحدة، والأدهى إنه ممكن يغوص بالكامل تحت سطح المياه كمان لأكتر من 30 ثانية، وبيستفيد الموظ من المهارة دِه في الوصول للنباتات المائية في قاع البحيرات، والأمر مش مقتصر على بحيرات، ممكن كمان تشوفه عايم في أنهار أو ما بين الجزر في رحلة بحثه عن الطعام، وساعتها بيبقى مُعرض للهجوم من مفترس البحار وأصيع صياديها على الإطلاق ألا وهو الحوت القاتل أو الأوركا، واللي بالرغم من القدرات الفائقة عند الموظ إلا إن الأوركا سهل إنها تخلص عليه في المياه.

الحمية الغذائية والسرعة المجنونة

الموظ من الحيوانات العاشبة، وبيساعده طوله الفارع في تصفح الشجيرات والتغذي على أوراقها، لكن على الجانب الآخر طوله بيخليه يواجه مشكلة في توطية رأسه بإستمرار وأكل الحشائش من على الأرض، في الصيف بالمناطق الشمالية من أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية، الأكل بيبقى أوفر بكتير بالنسباله عن الشتاء اللي بيُشح فيه الطعام وبيدفعهم للنزول للمدن والبلدات القريبة بحثًا عن الأكل، وساعتها ممكن ياكلوا من القمامة عادي، ولك أن تتخيل أن الموظ بوزنه العملاق ده بيقدر يجري وسط الثلوج بسرعة تصل لـ 24 كم في الساعة، في حين إنك لو جربت بس تمشي مجرد مشي وسط الثلوج هتلاقي نفسك بترفع رجلك من على الأرض بالعافية، إنما الموظ في الأراضي المنبسطة بيجري بسرعة مجنونة تصل لـ 56 كم في الساعة بالمسافات القصيرة، و32 كم في الساعة بالمسافات الطويلة، والعجيب إن الموظ بيكتسب سرعته أو جزء منها من أيام عمره الأولى، لدرجة إن العجل الصغير يقدر يسبق إنسان بالغ وهو عنده 5 أيام فقط لا غير، علمًا إن العجل بيتولد ووزنه 30 كجم.

الهجوم على البشر

بالرغم إن الموظ من الحيوانات العاشبة ومابيشوفش الناس باعتبارهم أكل، إلا أن حوادث هجومه على البشر مش نادرة ولا حاجة، في ولاية ألاسكا الأمريكية.. حوادث هجوم الموظ على البشر أكتر من حوادث هجوم الدببة بأنواعها، وفي الأمريكتين.. الموظ بيسبب إصابات للبشر أكتر من أي حيوان ثدي تاني، وباستثناء فرس النهر أو سيد قشطة مافيش حيوان بيهاجم البشر على مستوى العالم أكتر من الموظ، طيب ما دام هما مش بياكلوا لحوم، إيه اللي يخليهم يهجموا على الناس؟، حيوانات الموظ مش عدوانية بطبيعتها تجاه البشر ولا حاجة، لكن مثلاً ذكور الموظ بيجوا في موسم التزاوج والعصبية بتركبهم، وهو الموسم اللي بيتزامن مع شهور سبتمبر وأكتوبر، وفي أول الربيع لما الإناث بتولد وتبدأ تتحرك مع صغارها، أي علامة بيترجموها لخطر على عيالهم سهل تخليهم يهجموا على أي مخلوق حواليهم، كذلك أحيانًا بعض الناس لما تشوف حيوان الموظ تقولك “ياااا ده لطيف وكيوت ما نرميله أي أكل ده غلبان ومش بياكل بني آدمين ولا حاجة”، المشكلة بقى إن الموظ بيتعود على كده، ويا إما يستنى من أي إنسان يشوفه بعد كده إنه يأكله أو إنه بيرجع لنفس المكان اللي حصل فيه على أكل، ولو مالقاش تقلب معاه بغباوة وممكن يهجم؛ عشان كده قررت ولاية ألاسكا فرض أقصى عقوبة على أي حد يفكر يأكّل حيوان الموظ، واللي بيعمل كده هناك بيعرض نفسه لسنة سجن وغرامة 10 آلاف دولار، طيب بعد ما عرفنا عن حيوان الموظ وخطورتهم على البشر، إيه اللي يخلي السلطات تستنى من الناس إنهم يمنعوا حيوان زي ده من لحس سياراتهم، وليه أصلاً ممكن حيوان بمواصفات الموظ يفكر إنه يعمل حاجة غريبة زي كده؟

لعق الموظ للسيارات

بالرغم من غرابة الموقف، إلا أنه سهل تشوف الموظ في أي من البلدان اللي بيعيش فيها وهو بيلعق السيارات في فصل الشتاء، والقصة هنا مش إن الموظ عنده شهية تجاه المعادن أو حتى بيحب العربيات في العموم؛ الموظ بيعمل كده لأن العربيات دِه في الشتاء بتبقى متغطية بالملح، أيوه زي ما سمعت كده.. ملح، نفس الملح اللي بتحطه عالأكل بالظبط، والملح بالنسبة للموظ زي الحلويات بالنسبة للأطفال كده، حاجة لا تُقاوم لدرجة لعق كل سنتي في العربية عشانه، طيب وهو إيه اللي جاب الملح أصلاً على العربيات؟، المُدن الأوروبية اللي بتتساقط فيها الثلوج في فصل الشتاء، بتعتاد السلطات فيها على رش الشوارع بالملح عن طريق عربيات مخصصة، وده لأن الملح بيساعد على ذوبان الجليد على الطرق، وعشان كدا الطرق بتبقى متغطية بمياه مالحة، ومع حركة السيارات على الطرق بتتناثر وتطرطش المياه على السيارات وينشف الملح عليها، والسبب اللي يخلي الموظ يحب الملح كده والسُبل تنقطع بيه لدرجة البحث عنه على السيارات؟، لما بنقول ملح.. فأحنا بنتكلم عن كلوريد الصوديوم، أحد العناصر المعدنية الغذائية الأساسية، واللي وبالرغم من أهميته، إلا أن حيوانات الموظ بتواجه صعوبة في الحصول عليه بالمناطق اللي بتعيش فيها، وخصوصًا في فصل الشتاء، ده غير إنه في الأساس حميتهم الغذائية القائمة على النباتات مش بتوفرلهم احتياجهم من الصوديوم، خصوصًا إنه يعتبر ضار بالنسبة لمعظم النباتات وبيتخلصوا منه بشكل تلقائي،
وعشان يكفوا احتياجاتهم محتاجين يشوفوا مصادر تانية، في الصيف بيصرفوا نفسهم عن طريق النباتات المائية اللي بتكون أغنى على مستوى الصوديوم، كذلك سهل يلاقوا حواليهم ما يُعرف بـ “لعقة الملح salt lick”، ودِه بتبقى عبارة عن مواقع رطبة موحلة في الأرض بتحتوي على تركيز عالي من المعادن، بس الكلام ده في الصيف، في الشتاء معظم المواقع دِه بتبقى مدفونة تحت الثلوج، والبحيرات متجمدة، هيجيب ملح منين؟، هنا بقى العربيات بتتحول في نظر الموظ لـ “لعقة ملح متحركة” قدام عينيه، وبالرغم إن النوعية دِه من الحيوانات بتخاف أو بتنزعج من أضواء وأصوات السيارات على الطرق، إلا إن حاجتهم للملح بتفوق خوفهم، وعشان كدا وقتها بتدخل حيوانات الموظ على العربيات وهاتك يا لحس بقى عشان الملح، والقصة دِه بتسبب خطورة سواء على الرُكاب وعربياتهم أو حتى على الحيوان نفسه، خصوصًا أن الموظ هنا بيبدأ يتعود إنه يفضل بين السيارات بل وممكن يلاحقها كمان، والسلطات في بلدة جاسبر بمقاطعة ألبيرتا Alberta الكندية اضطروا ينبهوا الناس من القصة دِه عن طريق اللافتات التحذيرية على الطرق، خصوصًا وإن المقاطعة بتضم حديقة وطنية بتوصل مساحتها لـ 11 ألف كم مربع، وبجانب اللافتات التحذيرية وتوعية الناس من خطورة تصرفهم، فيه اقتراحات عملية لصد الموظ عن الطرق وحماية الناس من شرهم، وحمايتهم هما نفسهم من شر الناس عليهم، منها إن الملح المتبقي على الطرق من فصل الشتاء، يتم جمعه ورميه بعيد عن الطرق في فصل الربيع، كذلك البرك اللي بتتكون على جانبي الطرق، يتم تصفيتها ووضع الحجارة فيها، أي نباتات على الطرق كمان يشيلوها بحيث إن الموظ ما يلاقيش أي سبب يدفعه للتواجد على الطرق من الأساس، وبكده ممكن السلطات تستغنى عن اللافتات التحذيرية خالص ومايحتاجوش في المستقبل يقولوا حاسب الموظ يلحس عربيتك.