السلاح النووي هو أخطر الأسلحة المدمرة على الإطلاق، وهو سلاح غير مسموح بإمتلاكه أو تصنيعه باستثناء للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، لكن ونتيجه لظروف مختلفة يطول شرحها؛ قدرت 4 دول غير الخمسة الدائمين إنهم يمتلكوا السلاح، لكن من بعد ما العدد وصل تسعة، الصبر نفد، والعالم كله أصبح عنده استعداد يضرب أي دولة بالنووي إذا تبين إنها بتحاول تطور السلاح، وده تحديدًا اللي كان هيحصل مع دولة صغيرة زي الجابون.

مفاجأة أوكلو

“أوكلو Oklo” هي منطقة في مدينة “فرانس ڤيل Franceville” بالجابون في غرب وسط أفريقيا، والجابون كلها على بعضها كانت مستعمرة فرنسية في أفريقيا لغاية سنة 1960، لكن طبعًا فرنسا مطلعتش من الجابون إلا بعد ما ضمنت بعض الحقوق، زي حق التنقيب وإقامة المشروعات.

وفي سنة 1972 وخلال التنقيب عن خام اليورانيوم في منطقة أوكلو؛ اكتشف العلماء الفرنسيين مفاجأة من المفاجآت المذهلة والمرعبة في نفس الوقت، وهو اختفاء كميات كبيرة من اليورانيوم 235 تصلح لإنتاج 6 قنابل نووية على الأقل، وطبعًا من وقتها أبتدت الشكوك في حكومة الجابون، وابتدى الرعب من إحتمالية تسهيل الحكومة الجابونية عملية الإستيلاء على اليورانيوم لبعض المنظمات الإرهابية، وطبعًا ساعتها بدأت التحقيقات على أعلى مستوى، وهي التحقيقات اللي استمرت أسابيع طويلة، وانتهت أخيرًا بمفاجأة تانية مكانتش تخطر على البال، لكن عشان نقدر نفهم حجم المفاجأة التانية دى وتفصيلاتها كلها، هنكون محتاجين إننا نراجع بعض المعلومات عن عنصر اليورانيوم وطريقة تصنيع الأسلحة النووية.

اليورانيوم

اليورانيوم هو عنصر كيميائي من عناصر الجدول الدوري، لكنه يعتبر أثقل العناصر الطبيعية من حيث الكتلة الذرية، اكتشفه الكيميائى الألماني “هاينرش كلابروت Heinrich Klaproth” في سنة 1789 ميلادية.
واليورانيوم عنصر مشع وسام ويعتبر العنصر الوحيد في الطبيعة القادر على إنتاج الطاقة النووية، وبيتواجد اليورانيوم في الطبيعة على شكل 3 نظائر في الطبيعة، وهم اليورانيوم 238، واليورانيوم 235، واليورانيوم 234، والنظائر هي ببساطة عبارة عن أشكال مختلفة لنفس العنصر، لكن بيكون الفرق بين كل شكل والتانى في عدد النيوترونات، واللي بدوره بيساعد في تغير ثبات العنصر وقدرته على المشاركة في التفاعلات.
أما بالنسبة لاستخدامات اليورانيوم فهي متعددة جدًا وبتدخل في كتير من المجالات السلمية والعسكرية، زي مثلاً صناعة الدروع وحواجز الوقاية من الإشعاع، أو برضه بيدخل في عملية تحلية مياه البحر ومحطات الكهرباء، وغيرها كتير، بينما على مستوى الاستخدامات العسكرية فطبعًا اليورانيوم أشهر من نار على علم في إنتاج القنابل النووية.

تخصيب اليورانيوم

زي ما قلنا إن اليورانيوم بيبقى موجود في الطبيعة على هيئة نظائر كلها مخلوطة ببعضها؛ فاليورانيوم 238 بيكون صاحب نصيب الأسد في التركيز، وبيوصل تركيزه لوحده لـ 99.3% في خام اليورانيوم، أما اليورانيوم 235 فبيشكل أقل من 0.7%، وأما بقى الهامش اللي لا يُذكر ده هو اليورانيوم 234، وخلاصة الكلام ده كله إن العين كلها بتبقى على اليورانيوم 235؛ لأن هو ده النوع اللي بيتم أستخدامه في كل شئ، وعشان كده بيبقى مطلوب فصل اليورانيوم 235 من المادة الخام، وبعدين بتيجى خطوة تانية وهي عملية التخصيب، واللى بتعتبر خطوة في غاية التعقيد، واللي ببساطة عبارة عن بعض الإجراءات اللي بتزود من تركيز اليورانيوم 235، و نسبة التخصيب دي هي اللي بتتحكم في نوعية النشاط المطلوب؛ فاليورانيوم 235 زي ما قلنا تركيزه كنسبة ثابتة في الطبيعة أقل من 0.7%، لكن عشان نقدر نستخدمه في أي حاجة بيكون لازم نرفع تركيزه لـ 3% على الأقل، لكن لو عايزين نستخدمه استخدام عسكري، فلازم نفضل في عملية التخصيب لغاية ما يوصل التركيز 85% من إجمالي المادة الخام، فبيكون ساعتها اليورانيوم صالح لتصنيع القنابل النووية.

التفاعل النووي المتسلسل

المفاعل النووي بكل بساطة هو جهاز ضخم بيكون قادر على احتواء وتوليد تفاعل نووي متسلسل، واللي في النهاية بيتم الإستفادة من الطاقة الناتجة عن التفاعل في الاستخدامات المختلفة، وطبعًا قبل إجراء التفاعل النووي المتسلسل بيتم عمل إجراءات تمهيدية كتير، بيبدأ تشغيل التفاعل المتسلسل، فعن طريق ضرب ذرات اليورانيوم بالنيوترونات، واللي عن طريقها بيحصل إنشطار الذرات وانقسامها، ومع الانقسام؛ بينتج عنها طاقة كبيرة وبعض النيوترونات الجديدة، ولما تطلع نيوترونات جديدة تضرب تاني في ذرات جديدة، وتحرر برضه معاها الطاقة والنيوترونات، وترجع تتكرر نفس العملية بصورة متسلسل، وبتستمر الحكاية دي لغاية ما تخلص كمية الذرات الموجودة.

لكن هنا بقى فيه ملاحظة مهمة جدًا، خلال تحرر النيوترونات بعد الانشطار بتكون سرعتها كبيرة جدًا، والسرعة دي مش بتسمح بأن التفاعل يتم بشكل سليم؛ وعشان كده بيلجأ العلماء في المفاعل النووي لمادة إضافية بيكون كل شغلتها إنها تبطئ من سرعة النيوترونات، وغالبًا بتكون المادة دي هي المياه  الثقيلة؛ وعشان نستفاد من المفاعل النووي في انتاج الكهرباء كل اللي بنعمله فعليًا هو الاستفادة من الطاقة اللي بتنتج عن الانشطار النووي؛ وده ببساطة لأن زيادة كمية الطاقة يؤدي لارتفاع درجات الحرارة، ومادام الحرارة ارتفعت، يبقى هيتولد بخار، والبخار طبعًا بيسبب ضغط كبير بيشغل التوربينات، واللي في النهاية بتنتج الكهرباء.

حل اللغز

كل الكلام والرغي اللي إحنا قلناه ده، كان غرضه إننا نفهم الإجابة عن تساؤلات بديهية كتير منها مثلاً، الإجابة عن سؤال هو إزاي علماء فرنسا اكتشفوا نقص في كميات اليورانيوم في أوكلو؟، والإجابة دلوقتي بقت بسيطة لما عرفنا إن تركيز اليورانيوم 235 بيكون دايمًا في الطبيعة حوالي 0.7%، ومع إجراء تحليل روتيني بسيط، اكتشفوا إن النسبة أقل من كده، ومش بس كدا، ده كمان تم العثور على آثار نواتج الانشطار اللي بتخرج من المفاعل الصناعي، لكن كانت المفاجأة المذهلة هي اكتشاف مفاعل نووي طبيعي في المنطقة، واللي بعد البحث ده تبين أن هو كان السبب في كميات اليورانيوم اللي قلت، وبعد ما تأكدوا من وجود مفاعل نووي طبيعي في المنطقة، بدأ العلماء أنهم يحاولوا الإستفادة منه في التعامل مع الانشطار وعزله عن البيئة.
وقدر العلماء إنهم يخرجوا بأفكار ووسائل جديدة للسيطرة على النفايات النووية والإشعاع، وبعد ما كانوا قلقانين أن ممكن تكون الجماعات الإرهابية وقع تحت إيديهم سلاح نووي، تبدلت المخاوف بالانبهار والإعجاب بالاكتشاف المثير.

فكرة العمل

بعد الكلام الجميل ده بقى بيظهر تساؤل، إزاي ياترى الكهف أو المفاعل اللي تم اكتشافه ده حصل فيه كل الخطوات المعقدة دى بدون أي تدخل بشري؟، وعشان نفهم قد أيه الموضوع معقد وصعب جدًا أنه يحصل من غير أى تدخل بشري خلينا نسرد النقاط في السريع.
إحنا عشان ننتج طاقة عن طريق استخدام اليورانيوم 235، لازم يكون عندنا مجموعة من الشروط، أولها إن يكون عندنا مفاعل نووي يحتوي التفاعل المتسلسل، وشرط المفاعل ده بقى تحقق في أوكلو بطريقة طبيعية، عن طريق طبقات متعددة من الحجر الرملي، بالإضافة لطبقة تحته من الجرانيت العازل، وتاني الشروط اللي كانت مطلوبة هو إننا نفصل اليورانيوم 235 اللي هنجري عليه التفاعل، بس بعد ما نفصله كان برضه مطلوب شرط تالت وهو إننا نزود تركيزه عشان يوصل لتركيز 3% على الأقل، والشرطين دول كمان قدرت الطبيعة إنها توفرهم.
ففي البداية الطبيعة قدرت إنها تأكسد اليورانيوم، ولما اليورانيوم إتأكسد بقى فيه فرصة إنه يدوب في المياه وتنفصل النظائر؛ وده ببساطة لأن اليورانيوم مش بيدوب في المياه، إنما أكاسيده هي اللي بتدوب، وعشان كدا انفصل اليورانيوم 235 وبقى لوحده، لكن زي ما قلنا في الأول اليورانيوم مازال تزكيزه حتى الآن 0.7%، وزي ما قلنا دي نسبة لا تصلح لأي استخدام، والحل الوحيد إنها تتخصب ويترفع تركيزها، والحقيقة إن الخطوة دي حصلت بشكل طبيعي؛ لأن اليورانيوم 235 من 2 مليار سنة في طبقات الأرض نسبة الخام فيه كانت أكتر من 3%، وبكده تبقى العقبة دي مكنتش موجودة من الأساس، وبكدا نبقى وصلنا لمادة خام تصلح للاستخدام، بس برضه مازال فيه عقبات إحنا عايزين نيترونات عشان نضرب بيها ذرات اليورانيوم، وكمان عايزين وسيط يبطئ حركة النيوترونات زي المياه الثقيلة، وعايزين كمان طريقة نتحكم بيها في التفاعل، والـ 3 عقبات دول برضه اتحلوا بكل سهولة، فالنيوترونات موجودة حوالين المكان من عملية التحلل، وبالنسبة للوسيط فبرضه المياه بتركيبتها السليمة موجودة اللي على مدار ملايين السنين والمياه كمان كانت موجودة، وأما طريقة التحكم فدي بقى كانت من ابتكار الطبيعة.

اللي كان بيحصل هو إن التفاعل بيبتدي لتوفر الظروف، وطبعًا مع بدء التفاعل بتتولد الحرارة، وكانت المياه اللي بتقوم بدور الوسيط بتتبخر وتجف من الحرارة، ومع انعدام الوسيط، النيوترونات بتبقى سريعة وبيقف التفاعل، بس لما التفاعل بيقف كانت درجات الحرارة بتنخفض، ومع الأنخفاض ده، بتبدأ المياه عن طريق الأمطار تتجمع من تاني، وبعد ما تتجمع، تروح شغالة زي الوسيط، وساعتها يبدأ التفاعل، ونتيجة لكل الظروف دي فضل المفاعل أوكلو شغال، وبيتم التحكم فيه بصورة طبيعية على مدار 2 مليار سنة كاملين.