في عام 2009، ظهر فيديو انتشر على اليوتيوب ظهر فيه تمساح من نوع كايمانcaiman كان واقف على حافة المياه هادي ومترقب

وعلى يمينه كان موجود سمكة طويلة تشبه جدًا لسمكة ثعبان البحر، وأول ما جت اللحظة المُناسبة، إندفع ناحية السمكة وهجم عليها بكل قوته، وبالفعل أصاب السمكة في مقتلها، لكن للأسف دي كانت آخر هجمة يعملها التمساح في حياته، ومالحقش حتى إنه يتغذى على السمكة؛ لإنه هو كمان مات بعد أقل من دقيقتين بس، وبقى جثة هامدة في المياه؛ والسبب في المأساة دي هو إن السمكة اللي التمساح قرر إنها تكون غدا له في اليوم ده ماكنتش سمكة عادي، ولكنها كانت سمكة الإنقليس الرعاد، واللي زي ما باين من إسمها كده إنها بتنتج كهرباء، والسؤال اللي بيطرح نفسه، هو إزاي مجرد سمكة بتكون قادرة بسهولة إنها تنتج كهربا ودي مش أي كهربا – دي كهربا قدرت إنها تنهي حياة مخلوق بحجم وبقوة التمساح.

كهربا عن كهربا تفرق

تحت المياه وفي الأعماق ومع ندرة الضوء، فيه بعض الأسماك بتبدأ تستخدم الإشارات الكهربائية كطريقة تقدر بيها تتواصل مع باقي الكائنات، وكمان كـ وسيلة مهمة وأساسية في التنقل، ده بالإضافة لاعتبارها واحدة من طرق الصيد، وعلى عكس المتوقع – عدد الأسماك اللي بتقدر إنها تنتج الكهرباء كتير جدًا، وبيوصل لحوالي 350 نوع، وربنا سبحانه وتعالى خلق هياكلهم التشريحية بتكون مُتخصصة جدًا في إنتاج واستقبال الإشارات الكهربائية، لكن طبعًا فيه إختلاف شاسع بين كل نوع والتاني.
بشكل عام الأسماك اللي من النوع ده بتتقسم لمجموعتين وده إعتمادًا على كمية الكهرباء اللي بيتم إنتاجها،المجموعة الأولى هي السمك الكهربائي الضعيف، والنوع ده من الأسماك القدر اللي بينتجه من الكهربا بيكون أضعف ما يكون، يعني ببساطة ماتقدرش إنها تهاجم أو تصطاد بيه، لكن طبعًا هيكون وسيلة إتصال وتنقل كويسة جدًا.

أما بقى المجموعة التانية هي السمك الكهربائي الأقوى والمجموعة دي على عكس المجموعة الأولى تمامًا، وبطل بقى المجموعة التانية هو أشهر وأقوى نوع موجود في المجموعة دي، وهو سمكة الأنقليس الرعاد أو زي ما مشهور بإسم ثعبان البحر الكهربائي The electric eel.

بتعيش أسماك الأنقليس الرعاد في حوض نَهرَي “الأمازون وأورينوكو Orinoco” في أمريكا الجنوبية، وبتفضَّل إنها تكون دايمًا متواجدة في القاع الطيني للنهر، وهي من الأسماك العملاقة لأن أحيانًا بيوصل طولها لأكتر من مترين ووزنها لـ 20 كيلوجرام، ولك أن تتخيل إنها مُمكن تنتج تيار كهربي فرق جهده أعلى من 650 فولت، يعني تقريبًا 3 أضعاف فرق جهد التيار الكهربائي اللي موجود في بيوتنا، والسؤال هنا بقى هو إزاي سمك الإنقليس قادر إنه ينتج الكم الرهيب ده من الكهربا؟

إزاي السمكة بتنتج الكهرباء؟

اللي بيمَّكِن الأنقليس من إنتاج الكهربا عبارة عن 3 أعضاء رئيسية، العضو المصدر Hunter – والعضو الأساسي Main – وعضو الساك Sach.

والأعضاء الكهربائية ككل موجود فيها حوالي 6000 خلية متخصصة بيُطلق عليهم الخلايا المولدة للكهرباء أو الـ Electrocytes – والخلايا دي بتكون عبارة عن خلايا عضلية مترتبة في صفوف بالطول والعرض؛ وده بهدف إنها تكون موصلة للكهرباء على التوالي والتوازي، واللي بيزود من توصيل الخلايا دي للكهرباء هو تركيب الخلايا نفسها، واللي بيكون عبارة عن طرفين، طرف منهم انسيابي مستقيم تمامًا مُتصل بالعصب المُغذي، والطرف التاني بيكون مشرشَر أشبه بالمشط، وعددهم بيكون كبير جدًا من ناحية الذيل، وبتكون هي دي الخلايا النشطة، لكن الخلايا اللي موجودة قريبة أو خلف الرأس مُباشرة، بيكون عددها أقل وبتكون غير نشطة.

لكن يَبقى السؤال الأهم، هي الخلايا دي بتجيب الكهربا منين؟، بالعودة لعلم وظائف الأعضاء physiology؛ فـ لكل خلية عضلية أو خلية عصبية، دايمًا فيه فرق في الجهد بين داخل الخلية وخارجها؛ والسبب في كده راجع للاختلاف في توزيع الأيونات؛ لأن الغشاء البلازمي للخلية بيحتوي على مُستقبلات وبروتينات دورها ووظيفتها الأساسية هو إنها تخلي أيونات الصوديوم الموجبة في الخارج وأيونات الكلور السالبة في الداخل، وهو ده اللي بيخلي فيه فرق في الجهد بين خارج الخلية الموجب وداخل الخلية السالب.

ضيف بقى على كده إن أي خلية بيبقى ليها جهدين كمان بناءًا على حالتها وهما؛ جهد راحة resting potential وجهد استثارة؛ لما الخلية بتكون في حالة من عدم النشاط أو في حالة عدم وجود أي استثارة خارجية بتبقى تقريبًا غير فعّآلة كهربائيًا، لكن في حالة العمل ووجود أي عوامل استثارة، بيبدأ سريان للإشارات العصبية من العصب المغذي للخلية، ومُباشرة بتبدأ أيونات الصوديوم تجتاح الخلية، وفي حالة سمكة الإنقليس فـ ده بيحصل من الجانب الأملس المواجه للعصب وبتتحول شحنة الجانب ده لشحنة موجبة، لكن في الجانب التاني -المشرشر- مابتلحقش الاستثارة إنها توصله، وبيفضل الجانب ده سالب الشحنة زي ما هو، فبالتالي بيتولد فرق جهد بين طرفي الخلية وهو ده اللي بيولد الكهربا في الخلية الكهربائية، والحقيقة إن جهد الراحة وجهد الفاعلية وسريان الخلايا العصبية فـ دي حاجة بتحصل كل ثانية في خلايانا العصبية والعضلية، لكن الفرق الكبير بين أي كائن حي وبين سمك الأنقليس هو كمية فرق الجهد نفسها.

في الخلايا الطبيعية جهد الفاعلية قيمته بتوصل لـ 0.04 فولت ودي أعلى قيمة له، لكن في حالة الخلايا الكهربائية في سمك الأنقليس بتوصل لـ 0.15 فولت لكل خلية على حِدى، يعني تقريبًا أكبر بـ أربع أضعاف الخلايا الطبيعية، لكن طبعًا الموضوع مابيتوقفش لحد كده، سمكة الأنقليس بتقدر تستثير آلاف الخلايا في نفس اللحظة، وده اللي بيوصل القيمة لـ 650 فولت أو أكتر في وقت الهجوم.

عوامل مُساعدة

لو ركزنا شوية في طول السمكة، هنلاقي إن طول الأنقليس بيوصل لمترين، فـ إزاي بيتم تحفيز واستثارة كل الخلايا المولِّدة للكهرباء في نفس اللحظة مع إن المسافة المُنتشر فيها الخلايا أطوالها مُتفاوتة، يعني مثلاً فيه خلايا قريبة من الرأس وخلايا بعيدة موجودة في آخر الذيل، فكده من المفترض إن الاستثارة العصبية اللي جاية من المخ توصل للخلايا الأقرب للرأس أسرع من الخلايا الأقرب لطرف الذيل؛ ومايحصلش تزامن بينهم، وده بحكم المسافة، لكن إزاي الاستثارة بتوصل لكل الخلايا في نفس الوقت؟، من حكمة ربنا سبحانه وتعالى هو إنه سخر للسمكة دي مجموعة من العوامل تساعدها في الوظيفة دي تحديدًا، وأول عامل هو إن مسار الأعصاب الأقرب للرأس بيكون ملئ بالالتواءات؛ وده اللي بيخلي طوله مشابه لطول مسار الأعصاب الأقرب لطرف الذيل، وبالتالي الاستثارة العصبية بتوصل لكل الخلايا في نفس الوقت.
تاني عامل هو أن قطر الألياف العصبية الأقرب للرأس أصغر من قطر الألياف العصبية الموجودة في الطرف الأقرب للذيل، وده اللي بيبطئ من نقل الاستثارة في الخلايا القريبة من الرأس، ويوصل أسرع في الخلايا القريبة من الذيل.
والعامل الأخير هو إن النواقل العصبية الموجودة في الأعصاب الأقرب للرأس بتكون أبطأ من اللي موجودة في الطرف الأقرب للذيل، وبالتالي المحصلة النهائية لكل العوامل دي هي إن الإشارة بتوصل لكل الخلايا الكهربائية في نفس اللحظة ويمد السمكة بطاقة كهربية مهولة اللي بتقدر تولدها.

إزاي الصَعق الكهربائي بيتم؟

الحق يُقال إن أسماك الأنقليس هي أسماك طبيعية ومش عدوانية بالمرة وبتكون مُسالمة في مُعظم الأوقات، لكن وضع السلام والهدوء بيتغير تمامًا في الوقت اللي بتبدأ تحس فيه بأي خطر أو في الوقت اللي بتقرر فيه تبحث عن فريسة، واللي في الغالب بتكون أصغر منها في الحجم، وهنا بقى بتبدأ تخرَّج إشارات مبدأية واللي بيكونوا على هيئة نبضتين أو تلاتة، ودول وظيفتهم أشبه مايكون بوظيفة الرادار؛ علشان تستشعر وجود أي فريسة قريبة، ولو صدف إن الموجات دي خبطت في فريسة فعلاً وليكن مثلاً سمكة صغيرة موجودة في المكان، فـ ده بيعمل تقلصات في عضلات الفريسة وبيجهدها، وبيخليها تتحرك حركات غير منتظمة والحركات دي بينتج عنها موجات بتدِل سمكة الأنقليس على مكان الفريسة بالتحديد، وبتبدأ في الحالة دي تطلق وابل من الصدمات الكهربائية ناحية الفريسة بشكل مستمر لحد ما تشلها تمامًا عن الحركة، وبعدين تبدأ تتغذى عليها بدون أي مجهود.

إزاي الأنقليس مابيموتش من الكهربا اللي بينتجها؟

أخيرًا بقى فيه عدد كبير من العلماء وعلى مدار أعوام عديدة كان بيشغلهم تساؤل، وهو إزاي الأنقليس قادر إنه يحمي نفسه من الصعقات الكهربائية المتتالية دي، وبالفعل ظهر عدد من الدراسات اللي حاولت توضح الأسباب اللي بتخلي أسماك الأنقليس في مأمن من سلاحهم الخاص، وأول النظريات دي كانت معتمد على أماكن وجود الأعضاء الحيوية زي القلب والدماغ في جسم سمك الأنقليس، واللي يعتبروا بعيد بشكل كبير عن الأجهزة الكهربائية واللي موقعها الرئيسي موجود في ذيل السمكة، وتاني نظرية افترضت أن الأنقليس بيمتلك درع واقي من بروتينات خاصة بتحميه وقت توليده للكهرباء خارج جسمه، لكن الموضوع مازال في قيد البحث.