بعض الدول والجُزر تفصل بينهم مسافات صغيرة من مياه البحار والمحيطات، مثل الدول التي تفصل بينها المضايق والخِلجان الصغيرة، وفي تلك الحالة ينص القانون الدولي للبحار على تقسيم ملكية المياه بين الدول حسب المسافة، فكل دولة تُمارس سيادتها على نصف المسافة تقريبًا، ولو كانت المسافات البحرية كبيرة، بيكون ليها حسبة تانية خالص، وكثيرا ما تؤدي للمشاكل والخلافات، واللى بتوصل أحيانًا للحروب العسكرية.

قانون البحار

الميل البحري هو وحدة قياس المسافة في البحار يساوي 1852 مترا بالضبط، أما عدد الدول المُطلة على سواحل البحار والمحيطات بما فيها مناطق الحكم الذاتي والجُزر الصغيرة ومنطقة أنتاركتيكا، فتبلغ 226 دولة ومنطقة على مستوى العالم، بمعنى أن تقريبًا كل دول العالم ومناطق الحكم الذاتي تُشرف على البحار والمحيطات باستثناء 37 دولة، ورقم 37 ممكن تلاقي بعض المصادر بترفعه لـ40 أو حتى 48، ويرجع السبب في الاختلاف ده عدم اعتبار بعض مناطق الحكم الذاتي والجُزر الصغيرة بمثابة دول من الأساس، لكن المهم هنا أنه في حالة توفر المسافات البحرية المناسبة يكون التقسيم بناء على قانون البحار الذي أقرته اتفاقية الأمم المتحدة بالطريقة اللي هنقولها دي: الـ12 ميل بحري الأولى هي المنطقة المعروفة بمنطقة المياة الإقليمية، والمنطقة تعتبر جزء من أراضى الدولة نفسها، وتمارس عليها الدولة أو المنطقة سيادتها الكاملة وبتكون قوانينها مُلزمة للجميع، وبيجي بعد الـ12 ميل بحري الأولى 12 ميل بحري غيرهم، وهم المعروفين بالمنطقة المتاخمة أو المنطقة المجاورة لمنطقة المياه الإقليمية، وتلك المنطقة تمارس فيها الدولة سيادة شبه كاملة على المياه باستثناءات بسيطة مثل حق المرور البريء للسفن الأجنبية، أما المنطقة الثالثة والتي تعتبر أكبر المناطق وأكثرها امتداد، فهي المنطقة المعروفة بالمنطقة الاقتصادية، وهي تمتد على مسافة 176 ميل بحري كاملين، يعني تقريبًا حوالي 370 كلم، وهي تقتصر سيادة الدولة فيها على بعض الحقوق الاقتصادية مثل الصيد واستغلال الثروات والتنقيب عن الغاز والبترول وغيرها، وبعد المنطقة الثالثة تصبح المياه البحرية ملك للجميع، وهى المياه المعروفة بالمياه الدولية، طبعًا مع استثناء وحيد وهو تمتع دولة معينة بظاهرة جيولوجية أسمها الانحدار القاري، واللي في حالة وجودها تزود المنطقة الاقتصادية 150 ميل بحري كمان فوق الـ176 بتوعها، وقانون البحار هو قانون تم صياغته على مدار سنين طويلة ابتداءً من السبعينات، لكن دخل حيز التنفيذ وأصبح مُلزم للجميع ابتداءً من سنة 1994.

جزيرة أوكينوتوريشما Okinotorishima

جزيرة أوكينوتوريشما أو اختصارًا جزيرة “أوكينوتوري Okinotori” هي جزيرة صغيرة جدًا تقع في بحر الفلبين بالمحيط الهادئ قرب المياه الإقليمية اليابانية، والجزيرة كانت بداية معرفة البشر بيها في القرن الـ14 الميلادي من بعض البحارة اليابانيين اللي أطلقوا عليها “جزيرة الشراعات الخمسة “، وكان سبب التسمية هو بروز خمس صخور مدببة على شكل أشرعة السفن خارج المياه، والجزيرة على مدار السنين انتقلت السيادة عليها بين عدد من الدول بسبب الحروب والنزاعات، وكانت آخر الدول صاحبة السيادة عليها هي الولايات المتحدة الأمريكية، والتي استولت على الجزيرة وغيرها كثير من الجُزر اليابانية من بعد الحرب العالمية الثانية، واستمرت الجزيرة في حيازة الولايات المتحدة الأمريكية حتى عام 1968.
ومن بعد عام 1968، وافقت الحكومة الأمريكية على إرجاع الجزيرة لليابان، وطبعًا كان بسبب العلاقات الأمريكية اليابانية التي أصبحت على ما يرام بعد الحرب، بالإضافة إلى أن الجزيرة أصلاً صغيرة جدًا، وغَرق معظمها تحت المياه، يعنى بإختصار الجزيرة لم تكن حاجة من الأساس لتفكر بها أمريكا أو تهتم بها، وجزيرة “أوكينوتوري” من الأصل هي عبارة عن نتوء صخري أغلبه غرقان تحت المياه وتحيط بها الشعاب المُرجانية، والجزيرة كلها على بعضها في الماضي كانت تزيد عن الـ 2000 فدان، لكن مع طُغيان البحر فكل ما تبقى منها فوق مستوى سطح البحر عبارة عن صخرتين لا تزيد مساحتها عن 10 متر مربع فقط، لدرجة إنه من غير المُتفق عليه إذا كانت تعتبر جزيرة أو مجرد صخور طافية على وش المياه، خاصة إنه وعلى مدار السنين تلك الصخور الطافية واللي كان عددهم خمسة أصبحو صخرتين بالعدد وأحيانًا يوصلوا إلى 3 صخور في أوقات الانحسار الشديد للمياه.

صخرتين أم جزيرة؟

بالنسبة للصخرتين اللي لسه طافيين، فالصخرة الأولى كبيرة نسبيًا ويبلغ طولها 7.86 متر، أما الثانية فلا يتجاوز طولها 1.58 متر، تقريبًا حاجة كده في حجم سرير صغير طافي على سطح البحر، والصخرتين الصغيرين يبعدوا عن العاصمة اليابانية طوكيو مسافة 950 ميل بحري، لكنهم يبعدوا عن أقرب نقطة مُعتبرة في الأراضي اليابانية حوالي 165 ميل بحري، وبمعنى آخر فالصخرتين موجودين في منطقة المياه الاقتصادية اليابانية، المشكلة الكبيرة هنا هو عدم اتفاق المجتمع الدولي على تعريف واضح ومحدد لمعنى كلمة جزيرة، فكل الذي ينص عليه قانون البحار إن الجُزر هي عبارة عن أراضً تشكلت بصورة طبيعية وتحيط بها المياه من كل جانب، أما الصخور فهي جُزر صغيرة متقدرش إنها تدعم الحياة البشرية والأنشطة الاقتصادية، وهنا بتحصل كثير من المشاكل والأزمات نتيجة للتفسيرات المختلفة وقلة التفاصيل، فالقانون لا يحدد بالضبط أوضاع الجُزر الغرقانة، بمعنى هل يتم النظر للجُزر الغرقانة دي بمساحتها الفعلية كلها، ولا بيتم النظر للجزء الطافي فقط؟
وغير كده كمان فالقانون لا يُحدد نوعية الأنشطة الاقتصادية التي من الممكن إنها تُلبي المعايير وتخلي الصخرة يبقى اسمها جزيرة، ونتيجة لكده بدأ الخلاف فمن وجهة نظر اليابان إن “أوكينوتوري” هي جزيرة غرقانة وليست مُجرد صخرتين، وبناءً عليه، عملية إنقاذ الجزيرة الغرقانة مازالت في الإمكان، أما بالنسبة للأنشطة الاقتصادية فمن الممكن إقامتها على مساحة الجزيرة المتوفرة وأصغر منها، وهو بالفعل ما فعلته اليابان فيما بعد، لكن على الجانب الآخر كثير من الدول وأهمها الصين ليست موافقة أبدًا على أن الصخور الصغيرة من الممكن تسميتها بالجُزر، وهنا طبعًا تظهر مجموعة من الأسئلة البديهية، وأولها: ليه أصلًا اليابان مُهتمة بالصخور الصغيرة للدرجة دي، ولو كان للصخور دي أي نوع من الأهمية، ليه أمريكا تخلت عنها بالسهولة دي، وإيه دخل الصين أو غيرها من الدول في الموضوع ده من الأساس.

أهمية الصخرتين

بالتأكيد بعد ما فهمنا قصة الصخرتين، هنبقى مُتفهمين جهود اليابان وعدم استخسارها في الصخرتين دول، مبدئيًا كده في سنة 1987 صرفت اليابان مبالغ طائلة لحماية الصخرتين الباقيين من التآكل والغرق تحت المياه، ففي البداية كانت المصاريف على شكل مصدات للأمواج وحواجز خرسانية وكميات مَهولة من الحصى والرمال، وهي الأعمال اللي خلت الصخرتين بعد التغليف بالخرسانة يكونوا على شكل دائرة بقطر يصل لـ60 متر، وفي سنة 1988 استكملت اليابان مشروعها وعملت مرصد لمراقبة السُفن، كما أنشأت موقع تمت تسميته مركز اليابان للعلوم البحرية والتكنولوجيا، وهو الموقع اللي تم تشييده على جزيرة صناعية تم تدعيمها بالكامل بالتيتانيوم في مكان الجزيرة الغرقانة، والنهاردة بدل الصخرتين اللي كانوا بارزين لوحدهم على المياه وكل فين وفين لما يبقوا 3 صخور، جالهم صخرة ثالثة من التيتانيوم ثابتة ولا تفارق المكان.

أما بالنسبة للصين ادعت أن اليابان أنشأت قاعدة عسكرية متكاملة على الجزيرة يعني مش مرصد ولا مركز لعلوم البحار ولا الكلام ده كله، لكن بصرف النظر عن طبيعة النشاط اللي عملته اليابان فالمهم أن المبالغ المُعلنة اللي صرفتها اليابان في المشروع ده وصلت لـ600 مليون دولار أمريكي، والهدف العام للمصاريف دي كلها كان مجرد الحفاظ على صخرتين، لكن طبعًا اليابان عندها امل إنها قريبًا هتقدر تستصدر موافقة دولية على إعتبار إن الصخرتين جزيرة، وبالتالي أراضي يابانية كاملة السيادة لكن بسبب قرار زي ده يتم انتظاره، كان لازم يتم حماية الصخرتين دول بأي ثمن ولو حتى افترضنا أن القرار مصدرش فاليابان قمت بضبط مُعداتها بحيث إنها ترصد أي تحركات بحرية قرب الصخرتين، بالإضافة إن عملية الإنشاءات بيكون ليها دور كبير في سياسة فرض الأمر الواقع، أو على أقل تقدير توفر مساحة من الوقت في المفاوضات والمساومات وطلب التعويضات والروتين ده كله.