دايمًا بنسمع إن التور بيضايق من اللون الأحمر وكأنها عندها عداوة شخصية مع اللون ده تحديدًا، وشوفنا مشاهد كتير في حلبات مصارعة الثيران العنيفة وبنلاقي التور بيشوف اللون ده من هنا وتحس إنه حرفيًا ركبه عفريت وبيبدأ يجري ورا اللاعب في كل مكان داخل حلبة المصارعة، بل إنه حتى على مستوى مزارع الأبقار والماشية دايمًا المُربيين بيحاولوا إنهم مايلبسوش ملابس حمراء أثناء وجودهم في المزرعة، وده برده ظنًا منهم إن التور لو شافهم بالملابس دي هيهيج عليهم فورًا، لكن ياترى إيه مدى صحة الكلام ده، هل التيران فعلاً بتهيج لما بتشوف اللون الأحمر ولا الموضوع مجرد إشاعة.

البداية عند الرومان

خلينا نجيب الموضوع من الأول خالص، مصارعة التيران أو (الكوريدا) Corrida de toros بالرغم من إنها أحد سمات الثقافة الإسبانية، إلا إن تاريخ اللعبة الفعلي بيعود لأيام الرومان، الرومان كان منتشر عندهم إقامة فعاليات وألعاب، بيحصل فيها منافسة بين البشر والحيوانات كـ نوع من الترفيه، والثيران للأسف كانت واحدة من الحيوانات اللي بتشارك في العروض دي، الشاهد بقى إن الأراضي الإسبانية قديمًا كانت تحت سُلطة الرومان لقرون عديدة؛ وعلشان كده الرومان نقلوا جزء كبير من ثقافتهم لأسبانيا، بما فيها الألعاب، وفي عهد الإمبراطور الروماني كلوديوس The Emperor Claudius اللي كان بيحكم خلال الفترة من عام 41 من الميلاد ولحد عام 54م، قرر إنه ينقل فكرة مصارعة التيران من روما إلى الأراضي الإسبانية، لأنه كان مُولع جدًا بالألعاب والرياضات العنيفة؛ وبسبب الموضوع ده فضلت مصارعة التيران موجودة لحد النهاردة بشكل مُكثف في إسبانيا وبعض الدول المجاورة زي البرتغال وفرنسا، وإنتشرت كمان في بعض البلدان في أمريكا الجنوبية زي المكسيك وكولومبيا والإكوادور وبيرو وغيرهم، وده بالرغم من إن اللعبة محظورة في إيطاليا اللي هما أصلاً المنشأ بتاعها، يعني حاجة في مُنتهى الكوميديا الحقيقة.

المولِيتا Muleta

الشاهد في موضوعنا دلوقتي إن المصارعة مع الثور داخل الحلبة، وخصوصًا على الطريقة الإسبانية بتتم على عدة مراحل، هنتكلم عنهم بالتفصيل كمان شوية، لكن اللي يهمنا دلوقتي هي المرحلة الأخيرة اللي بيقوم بيها المُصارع الرئيسي أو الشخص الأكثر مهارة، الشخص ده بيمسك قطعة من القماش إسمها المولِيتا Muleta، وبيبدأ يحركها يمين وشمال علشان يستفز التور، ويخليه يهجم عليه والقماشة أو الموليتا دي دايمًا بيكون لونها أحمر غامق، والعُرف الخاص باللون الأحمر ده موجود بقاله مئات إن لم يكُن آلاف السنين، ويمكن علشان كده الناس بقى عندها إعتقاد بأن السر في غضب التور مُتعلق بلون القماشة نفسها؛ بس المفاجأة بقى إن الكلام ده غير صحيح إطلاقًا، التور ما بيضايقش من اللون الأحمر ولا حاجة، وده ببساطة لأن التيران عندها عمى ألوان، التيران عمرها ما شافت اللون الأحمر ولا حتى تعرفه.

الرؤية الثنائية عند الماشية

الماشية بوجه عام بيشوفوا العالم حواليهم بنظام رؤية مُعين إسمه (نظام الرؤية الثنائية) أو الـ Vision Dichromacy، إحنا كبشر مثلاً بنشوف العالم بنظام رؤية ثلاثي Trichromatic Vision؛ وده لأن موجود في عيونا تلات (مخاريط) أو Cones كل واحد منهم حساس تجاه لون أو طيف مُعين، مخروط لدرجات اللون الأزرق، ومخروط لدرجات اللون الأخضر، ومخروط لدرجات اللون الأحمر، والمخاريط التلاتة دول لما بيشتغلوا مع بعض بيخلونا نقدر نشوف العالم زي ما إحنا شايفينه دلوقتي وبنقدر نتعرف على ملايين الدرجات من الألوان.

الماشية بقى بما فيهم الأبقار والثيران، عندهم في عيونهم مخروطين اتنين بس، مخروط خاص بدرجات الأزرق، ومخروط تاني خاص بدرجات الأخضر؛ وعلشان كده مابيقدروش يميزوا ألوان كتير جدًا زي الأحمر والبنفسجي والبرتقالي وغيرهم، بل إن حتى درجات اللون الأخضر نفسه ما بتبقاش واضحة بالنسبالهم، وبتكون عندهم أقرب للون البيچ أو البُني المصفِر، يعني مثلا صورة طبيعية زي اللي فوق دي.

الأبقار والثيران بيشوفوها حرفيًا بالشكل ده.

تجارب لطيفة

طيب بما إن التيران مابتشوفش اللون الأحمر إيه بقى اللي بيخلي التور يهيج لما يشوف القماشة الحمرا اللي مع المُصارع ويتحرك ناحيتها بقوة، الفكرة هنا مالهاش علاقة بالألوان إطلاقًا، ولكن ليها علاقة بحركة الأشياء في العموم، الحركة هي اللي بتستفز التور بغض النظر عن الألوان، التيران عدوانية بشكل طبيعي ولما بيشوفوا أي حاجة بتتحرك كتير قدامهم، وخصوصًا لو الحاجة دي قريبة منهم ده بيخليهم يهجموا عليها بقوة، يعني حركة القماشة المستمرة هي اللي بتنرفز التيران، وفيه مجموعة كبيرة من التجارب عملوها علشان يتأكدوا إذا كان التور بيقدر يميز اللون الأحمر فعلآ ولا لأ، وفي أحد التجارب دي جابوا تلات أشخاص ولبِّسُوا كل واحد فيهم هدوم متلونة بلون معين، واحد منهم لبس أحمر، والاتنين التانيين لبسوا ألوان مُختلفة زي الأزرق والأخضر، واللي عملوه في التجربة، هو إنهم حطوا التلات أشخاص دول في حلبة مفتوحة موجود فيها تور وخلوا الشخص اللي لابس أحمر يقف ثابت في مكانه وما يتحركش إطلاقًا، والاتنين التانين بدأوا يتحركوا ويجروا في الحلبة، المفاجأة بقى كانت إن التور بدأ يهاجم الشخصين اللي لابسين أزرق وأخضر وجري وراهم، وتجاهل تمامًا الشخص اللي لابس أحمر، وكأنه مش موجود في المكان.

وعشان كدا خلينا نقدر نقول وإحنا مطمئنين خالص أن التور ما بيتضايقش من اللون الأحمر ولا بيشوفه أصلاً، السر دايمًا في المصارع وحركة القماشة، وعلشان كده لو لقدر الله لو إتعرضت في مرة وشوفت تور أو بقرة خارجين عن السيطرة وبيجروا في المكان اللي إنت فيه فـ أفضل رد فعل تعمله في الحالة دي هي إنك تتحرك بهدوء وحذر وأنت بتبعد عن المكان؛ وده لأنك لو جريت ده بيحفز التور إنه يلاحقك ويجري وراك.

الثيران نظرها قوي!

على الرغم من إن الثيران مُصابة بعمى الألوان زي ماوضحنا، إلا إنها مش مُصابة بيه بشكل كامل، يعني بيقدروا يميزوا بعض الدرجات، لكن على الجانب الآخر بقى نظرهم قوي وبيشوفوا مَدى رؤية واسع؛ وده بسبب إن عيونهم موجودة على جانبي رأسهم وده بدوره بيمنحهم مَدى رؤية بيتعدى الـ 300 درجة، ده غير إن الأبقار زيها زي القطط والكلاب، بيقدروا يشوفوا في الضلمة بشكل كويس جدًا؛ لأن عيونهم فيها سطح عاكس موجود في القسم الخلفي من شبكة العين إسمه (بساط المشيمية) أو الـ Tapetum Lucidum، والطبقة دي بتكون حساسة جدًا تجاه الضوء وبتبقى عاملة زي المرآة، وكنا عملنا حلقة عن الموضوع ده قبل كده إسمها (ليه عيون القطط بتنور بليل)، تقدروا تشوفوها لو عاوزين تعرفوا عن الموضوع ده أكتر.

ليه بيتعمدوا استخدام قماشة حمرا؟

أخيرًا بقى، من الحاجات المدهشة إن عدد كبير من المصارعين بيبقوا عارفين إن التور ما بيقدرش يميز الألوان، واللون الأحمر ما بيهيجهوش ولا حاجة، وبالرغم من كده هتلاقيهم برده بيستخدموا قماشة حمرا أثناء اللعب؛ والسبب في ده هو إن الموضوع عادة توراثوها جيل بعد جيل، الناس زمان لما بدأوا يمارسوا اللعبة العنيفة دي لأول مرة، وخصوصًا في إسبانيا كانوا بيستخدموا قماشة حمرا علشان يستفزوا بيها التيران؛ لأن اللون الأحمر معروف بإنه لون مثير أو حماسي بالنسبة للناس اللي قاعدين بتفرجوا، بالإضافة لإن اللون الأحمر تحديدًا بيغطى نوعًا ما على لون الدم وده على عكس لو استخدموا قماشة بيضا مثلاً أو أي لون فاتح، وهنا خلينا نوضح بعض الحقايق الصادمة بخصوص مُصارعة التيران.

اللاعب الرئيسي أو الشخص الأكثر مهارة زي ما اتكلمنا في الأول واللي بيدخل دايمًا في المرحلة الأخيرة هو المتادور Matador أو قاتل الثور، إيه ده هي التيران بتتقتل في اللعبة دي؟، أيوة للأسف ده اللي بيحصل؛ مصارعة التور في الحلبة بتتم على عدة مراحل، المرحلة الأولى بينزل فيها تلات أشخاص وكل واحد فيهم بيكون معاه قماشة لونها زهري من ناحية ومن الناحية التانية بيكون لونها دهبي أو أزرق، وبيحاولوا يستفزوا التور ويزودوا من عنفوانه، والألوان اللي بيستخدموها دي بالمناسبة هي خير دليل إن التور بيتفاعل مع أي لون عادي ومش شرط اللون الأحمر، المُهم إن الأشخاص التلاتة بيستفزوا التور قدر الإمكان وبعدين بيطعنوه في كتفه بأسهم أو بعصيان معدنية؛ علشان يضعِفوه ويقللوا من قوته، ونفس الشئ بيعمله شخص بيدخل الحلبة وهو راكب حُصان إسمه الـ Picador وبيكون معاه رمح طويل بيطعن بيه التور في العضلة اللي خلف رقبته مباشرةً علشان برده يضعِفه.

وفي المرحلة الأخيرة بيدخل المتادور Matador وهو مخبي سيف ورا القماشة الحمرا اللي بيراوغ بيها التور ، وبعد مجموعة من الحركات بيبدأ يطعن السيف في رأس التور مباشرةً وبيقضي عليه، الموضوع الحقيقة في غاية البشاعة؛ لأن التور بيتعذب جدًا؛ وعلشان كده في مُنظمات كتير بتنادي بوقف اللعبة أو الرياضة العنيفة دي، أو على الأقل يمارسوها بدون إراقة دماء، أينعم دول كتير استجابت للموضوع ده، لكن إسبانيا والدول المجاورة ليها للأسف بيعتبروا اللعبة جزء من ثقافتهم وتراثهم ومش عاوزين يتخلوا عنها إطلاقًا، وشايفين إن من واجب الدولة إنها “تحافظ عليها وتشجعها”؛ وده فضلاً إن النوع ده من الألعاب طبعًا بيدِّر عليهم أرباح اقتصادية كبيرة، وده بيخليهم مُتمسكين بيها أكتر.