في يوم الخميس 3 فبراير 2022، فوجئ المهتمين بأسواق المال والتكنولوجيا بأخبار عن إنهيار تاريخي في القيمة السوقية لشركة فيسبوك المعروفة حاليا بشركة “ميتا”، ووصلت الخسائر في اليوم اللي أطلقوا عليه خميس ميتا الأسود إلي237.7 مليار دولار وقت الإغلاق، والرقم ده غير إنه يعتبر أكبر انخفاض في القيمة السوقية ليوم واحد في التاريخ، وبدأت الناس تتسائل عن مصير شركة ميتا، وهل الخسارة دى ممكن تؤثر على التطبيقات اللي بنستخدمها، ولا لأ؟

2003

في سنة 2003 وأثناء دراسة طالب علوم الكمبيوتر” مارك زوكربيرج Mark Zuckerberg“في جامعة هارفارد الأمريكية فكر هو وعدد من أصدقاؤه أنهم يعملوا ويب سايت عادي لمشاركة المعلومات التقنية بينهم وبين بعض، وخلال شهور قليلة كبر موقعهم وبقى يضُم كل طلاب الجامعة، وبعدها برضه وتحديدًا في فبراير 2004 تم تغيير إسم الموقع من الفيس ماتش للفيسبوك، وأصبح يضُم كل الجامعات مش هارفارد لوحدها، وبحلول عام 2006 تم السماح للجميع فوق سنة الـ13 سنة بالانتساب للموقع، وهو الأمر اللي كَبر عدد المُشتركين للموقع ووصل لحوالي 12 مليون مستخدم مع نهاية سنة 2006، ووصلت الأعداد في سنة 2012 للمليار مُستخدم، وقتها فكر زوكربيرج أنه يطرح أسهم الشركة للاكتتاب العام، وبالفعل كانت الفكرة ناجحه وتسببت في تحويل زوكربيرج لأصغر ملياردير في العالم كله.

الاكتتاب العام

الاكتتاب العام ببساطة مصطلح عند أصحاب الشركات مقصود منه إن النشاط يبقى عام ومُتاح للجميع بحيث أنه بدل ما تكون مؤسسة صغيرة يملكها شخص واحد من المُمكن يملكها عدد كبير من الناس، وكل واحد بقى يمتلك فيها أجزاء صغيرة يتم التعبير عنها بالأسهم، وبدل ما المؤسسة يصرف عليها واحد ولا مجموعة من الشركاء يبقى بيصرف عليها ويمولها ملايين الأفراد، وطبعًا كل ما نشاط الشركة يكسب أكثر كل ما المُساهمين أعدادهم تكبر وهنا بقى البعض مُمكن يقول: إيه هي الفوائد اللي بترجع على اللي بيمولو شركة من الشركات؟ والإجابة في كلمة واحدة هي التداول؛ فالتداول هو مصطلح في سوق المال يعبر عن عملية تبديل الأسهم بين الناس وبعضها وزمان كانوا بيتداولوا الأشياء بينهم وبين بعض عن طريق المُقايضة يعني يدوك أي حاجة وياخدوا حاجة مكانها، والتداول في سُوق الأسهم هو نفس الفكرة أنت بتشتري جزء صغير من واحدة من الشركات وليكن بألف جنيه، وأنت في خيالك أو حسب البحث اللي عملته شايف أن الشركة هتفضل تكبر وقيمتها تزيد، وبعد فترة لما قيمتها تزيد الألف جنيه اللي وضعتها فيها هتزيد معاها، ووقتها ممكن تبيع السهم اللي بألف بألف و100 جنيه مثلاً وتكون كسبت الفرق، وطبعًا فيه فئة المستثمرين الكبار اللي زي زوكربيرج نفسه، واللي يملك لوحده حوالي 13% من أسهم الشركة، وطبعًا سهم شركة الفيسبوك كان دائمًا مطلوب ودائمًا سعره في الطالع، لأن كل ما كانت الشركة ناجحة وتحقق أرباح كل ما كان الناس مُستعدين يدفعوا عشان يشتروا أسهمها.

نمو الشركة

مع نمو شركة الفيسبوك وزيادة عدد المتابعين قررت الشركة أنها تتوسع في موضوع التواصل الإجتماعي، فبعد ما كانت الشركة تملك فقط الفيسبوك، اشترو واتس أب وانستجرام، وخلال 18 سنة من عمر الشركة وصلت إنه يبقى عدد مُستخدمي تطبيقاتها حوالي نصف سكان الأرض، ومؤخرًا قدمو للعالم انقلاب جديد في عالم الإنترنت، وهو عالم الميتافيرس، فالشركة بعد ما كبرت للدرجة دي تم تغيير أسمها من فيسبوك إلى ميتا، بس تقريبًا كده إسم ميتا ده وشه مكنش كويس عالشركة، فللمرة الأولى من تاريخ ظهور الشركة، بتيجى سنة 2022 بخبر مُفاجئ على كل المستثمرين، فالأعداد اللي كانت بتزيد كل سنة بالـ10 مليون نقصت في حدود المليون مشترك في أوائل سنة 2022، يعني تطبيق زي الفيسبوك اللي كان بيجذب الملايين سنويًا مقدرش يزود عدد متابعيه خلال سنة 2021، وخبر زي ده بيكون خبر مُرعب في سُوق المال وخصوصًا لصغار المستثمرين لعدم استطاعتهم تحمُل مثل هذه التغيُرات في السوق، ولما بيحصل أي انخفاض مفاجئ بيخافوا على فلوسهم ويبيعوا الأسهم على طول، وده معناه ان الأسهم المعروضة للبيع متعددة ووقتها سعر السهم بينخفض.

عوامل أثرت على الفيسبوك / ميتا

من المفارقات أننا نعرف إن حلم مارك زوكربيرج في بناء موضوع الميتافيرس ده هو نفسه واحد من الأسباب اللي أضعفت الشركة، وده ببساطة لأن موضوع الميتافيرس هو عبارة عن تقنية عملاقة هتتكلف الملايين، والنوع ده من المصاريف يشتهر باسم الاستثمار الرمادي، والنوع ده برضه بيهرب منه كثير من المستثمرين فالاستثمار الرمادي ده بيقصد بيه الاستثمار في شئ لسه مشتغلش من الأساس، ومفيش وسيلة مؤكده تعرفنا إذا كان هينجح ولا لأ، فموضوع زي الميتافيرس ده من المُمكن جدًا يكون له آثار سلبية تؤدي لإلغاءه بعد ما يتصرف عليه مليارات الدولارات، وبالتالي فأسهم الشركة ساعتها هيتخسف بيها الأرض، أما بقى تاني الأسباب اللي أثرت بقوة على الوضع المالي لشركة ميتا؛ فهي التغيرات اللي عملتها شركة أبل في نظام تشغيلها iOS، والسبب ده تحديدًا بيعتقد كتير من المُحللين إنه أهم الأسباب على الإطلاق، فشركة Apple قامت بمجموعة من الإجراءات اللي بترفع معايير الخصوصية، وفي نفس الوقت بتصعب على شركات التطبيقات ومنها ميتا طبعًا عملية قياس الأداء وتحديد الجمهور المستهدف، فعملية اختراق الخصوصية دي من أساس فيسبوك هدفها استهداف الأفراد بالحملات الإعلانية اللي بتتوافق مع اهتمامات كل مستخدم عن طريق تسجيل صوتهم أو بيانات البحث التي تم استخدامها أو المواقع اللي بيدخلوها.

وبالمناسبة دي كام مرة كنت بتتكلم فيها مع حد صاحبك على حاجه وفوجئت أن فيس بوك بعتلك إعلان عن نفس الحاجة اللي بتدور عليها؟
وبالفعل شركة ميتا نفسها اعترفت عن طريق المسئولين بخسائر بسبب الموضوع ده تجاوزت الـ 10 مليار دولار خلال عام 2021.

تيك توك TikTok

أضف كذلك عامل مهم جداً وهو انتشار التطبيقات المنافسة واللي بتؤدي نفس الغرض، فــ باعتراف مسئولي ميتا أن تطبيق تيك توك للشركة الصينية ByteDance أدت لانصراف كتير من الشباب عن منصة الفيسبوك، فلما نحط العوامل دي كلها في الاعتبارات علمًا أن أكثر من 97% من إيرادات الشركة بيعتمد على الحملات الإعلانية، هيكون مفهوم جدًا حجم الضرر والخسائر اللي وقعت على شركة ميتا.

عملة ميتا الرقمية

أخيرًا بقى من العوامل اللي أثرت على ثقة المستثمرين، هو الفشل الكبير اللي عانت منه شركة ميتا لما حاولت تنتج عملتها الرقمية اللي أطلقت عليها إسم Diem، فعلى الرغم من المحاولات المستمرة وتغيير إسم العملة أكثر من مرة والدعم اللي وصل الـ10 مليون دولار، إلا إن العملة الرقمية فشلت فشل ذريع، وبدل ما تحقق أسلوب تعامل أسرع وأبسط كانت السبب في أنها تُعتبر واحدة من الوعود الكاذبة لشركة ميتا، وبالبلدي كده المستثمر البسيط هيقول مادام وعود زي دي فشلت أنا إيه يضمنلي أن مفيش وعود غيرها تفشل ومنها الميتافيرس، وخصوصًا إن شركة ميتا دخلت في منعطف المعارك القانونية، اللي لغاية انهاردة مش معروف هترسى على إيه ولا هتتكلف كام؟
وكان طبيعى أن كل الأسباب دي تتجمع مع بعضها وتخلي المستثمرين يعيدوا تقييم تجربة الاستثمار في أسهم الشركة.

هل هي نهاية الفيسبوك / ميتا؟

بالتأكيد لازم يمر بالاذهان دلوقتي سؤال بديهي عن أخرة الفيلم ده كله، هل دي مثلاً بداية نهاية الفيسبوك و مارك زوكربيرج، ولا إيه الحكاية؟
وربنا سبحانه وتعالى يقول “وتلك الأيام نُداولها بين الناس”، وبعيدًا عن قاعدة ما طار طير وارتفع إلا وكما طار وقع فالإجابة بتعتبر مستحيلة حتى عند أعتى المُحللين فعملية التقلبات اللي بتحصل في الحياة بصورة عامة، وفي سُوق المال بصورة خاصة عبارة عن مسلسل لا ينتهي، وكتير من الشركات اللي كان ليها شنة ورنة وقعت ومقامتش ليها قومه، وبرضه كتير من الشركات العملاقة اتعرضت لهزات مالية عنيفة وقدرت تقف تاني على رجليها، وعلى الرغم من إن الأزمة اللي حصلت دي بتعتبر هي الأكبر في التاريخ إلا إنها مش الوحيدة، ومعظم إن لم يكن كل الشركات العملاقة اللي بنسمع عنها برضه اتعرضت لخسائر بالمليارات، فشركة أبل نفسها اللي بتعتبر واحدة من العوامل المؤثرة اللي اضرت بشركة ميتا، هي كمان اتعرضت سنة 2020 لخسائر وصلت الـ182 مليار دولار، أما شركة مايكروسوفت فخسرت 178 مليار دولار في نفس السنة، والخسائر المليارية دي تكاد تكون شملت كل عمالقة الشركات زي أمازون وتسلا وغيرهم كتير، أما مارك زوكربيرج، فكلفته الأزمة دي على المستوى الشخصي خسارة 29 مليار دولار في يوم واحد، لكنه خرج بعدها وفي نفس يوم الخسارة عشان يؤكد إنه مازال بيراهن على كتير من الأفكار اللي هو متأكد من نجاحها زي مثلاً مراهنته على حلمه الأكبر وهو الميتافيرس، واللى في حالة نجاحه مش هيكون مُجرد نجاح في مجال السوفت وير، وإنما على حسب تقديره هو شخصيا هيكون عبارة عن سيطرة ميتا على مقاعد المقدمة في سوق الإلكترونيات الداعمة للواقع المُعزز والواقع الافتراضي.