لو قلت لك يا ترى كام مرة بصيت فيها في المراية النهارده مش بالضرورة هتفتكر عدد بعينه، بس غالبًا هتلاقي إنك في كل مرة عديت فيها قدام المراية، بصيت لها بشكل لا إرادي كدا، وبالرغم من عدد المرات الكبير اللي بتبص فيها يوميا في المراية، إلا إني لو سألتك دلوقتي المراية لونها إيه هتقولي لونها فضي مش محتاجة يعني، مع إننا لو جبنا نفس المراية دي وحطيناها قدام حيطة خضرا هيبقى لونها أخضر، ولو حطيناها قدام حيطة صفرا هتبقى برضو صفرا، أومال المراية نفسها بقى لونها إيه؟
أوّل مراية في التاريخ
أول مراية اكتشفها الإنسان بالصدفة وقدر إنه يستخدمها كانت بِرَك المياه الساخنة وخصوصًا العميقة منها، لكن أول مراية تم صنعها فعليًا هي مراية وجدها علماء الآثار في الأناضول “تركيا حاليًا”، وكانت عبارة عن قطعة من حجر كريم إسمه حجر “السَبَج البركاني Obsidian”، ويرجع أصلها لحوالي 6.000 سنة قبل الميلاد، وبالرغم من إنه يعتبر حجر بركاني؛ إلا إنه واحد من أنواع الزجاج الشفاف نوعًا ما، ويسمح بانعكاس جزء من الصورة.
أما المصريين القدماء وبلاد الرافدين؛ استخدموا النحاس الناعم أو المصقول بدلًا من الحجر الزجاجي، ومن بعدهم استخدمت الحضارة الصينية المرايات المصنوعة من البرونز، وبدأت المرايات تتطور حتى تكونت بشكل أساسي من النحاس والقصدير والبرونز والمعادن اللي تمنها غالي جدًا على إن عامة الناس يقدروا يشتروها.
وبالنسبة للمرايات اللي شكلها قريب أوي من المرايات الموجودة حاليًا، يُعتقد إنها اتصنعت لأول مرة في مدينة “صيدا” اللبنانية في القرن الأول الميلادي، واللي طورها بعد ذلك الرومان لمرايات زجاجية مغطاه بالرصاص المسال، ذلك قبل اكتشاف الخواص السامة لمعدن الرصاص، ومع ذلك، لم تكن بدقة وجودة المرايات الموجودة حاليًا، كانت المرايات القديمة عُرضة للتآكُل بشكل كبير بجانب إنها كانت بتعطي صورة أغمق من مراياتنا الحالية، أما بقى المرايات المصنوعة من الزجاج المُسطح والأقرب للشكل الحالي، صنعها حرفيين الزجاج من فينيسيا في القرن الـ16 الميلادي، وفي الإصدار دا من المرايات غطى الفينيسيين الجانب الخلفي من الزجاج بطبقة من الزئبق، عشان في الآخر يقدروا يحصلوا على انعكاس شبه كامل، واُستخدمت مرايات فينيسيا فوق الـ100 سنة بغرض تزيين القصور الأوروبية، وانتشرت من بعدها في العالم كله، ووصلت لشكلها الحالي اللي بيتم صنعها فيه من الألواح الزجاجية المطلية من أحد جوانبها بمواد غير سامة، واللي هي على الأغلب بتكون فضة أو ألومنيوم فيه نسبة من كلوريد القصدير الثنائي.
المراية لونها مش فضّي!
بعد ما عرفنا دلوقتي إن المرايات تتكون بشكل أساسي من الفضة أو القصدير أو الألومنيوم هتقولي: “أهه ما جبتش حاجة من عندي، والمرايات طلعت برضو لونها فضي”، أهدى بس وركز معايا وأنا هثبت لك دلوقتي إن المراية لونها مش فضي ولا حاجة.
لو أنا قدامي ورقة الشجرة دي عشان أقدر أحكم على لونها سواء كان أحمر أو أخضر أو بنفسجي أو أي لون في الدنيا، يوجد آلية بتقوم بيها الورقة دي، وفي آلية تانية بنكملها بعنينا ومخنا، الآلية بقى اللي بتقوم بيها ورقة الشجرة هي إنها بتستقبل الـ7 ألوان بتوع الضوء الأبيض المعروف بالضوء المرئي، وتمتص كل الأطوال الموجية بتاعته، ما عدا طول موجي واحد بتعكسه بيمثل اللون الأخضر، بعدها بتيجي تبص على ورقة الشجرة بعدما عكست الطول الموجي دا وعينك ودماغك يقرأو ويترجموا الطول الموجي دا للون الأخضر.
المراية لونها أبيض!
آخر كلام.. المراية خضراء!
من شوية كنا بنتكلم عن “المراية المثالية”، والمراية المثالية دي هي اللي لونها أبيض فعلًا، لكن الحقيقة إن الواقع ما فيهوش حاجة نقدر نقول عليها إنها مثالية، وعشان كدا المراية المثالية مش موجودة عمليًا، ومش هي المراية الموجودة في بيوتنا.
والحقيقة إن المراية الموجودة حاليًا بشكل واقعي بتعكس كل الأطوال الموجية لألوان الضوء الأبيض عادي جدًا زي ما قلنا، لكنها بتعكس واحد فيهم بشكل أفضل من الباقي، والطول الموجي اللي بتعكسه بشكل أفضل دا، هو الضوء اللي بيقع في نطاق الـ510 نانو متر، واللي نقدر نسميه باللون الأخضر.
فمن الناحية الفنية، أقدر أقول لك آخر كلام إن المراية مش فضي ومش بيضا أوي يعني لكنها بيضا وفيها شيء من الأخضر لكنه بقدر بسيط جدًا، وما تقدرش تلاحظه في المراية تحت الظروف العادية، وعشان نقدر نلاحظ الطيف الأخضر دا محتاجين نجيب مرايتين ونواجهم تجاه بعض، بحيث إننا نسمح للضوء إنه ينعكس أكثر من مرة ويكُون لنا شكل أشبه بالنفق، بحيث كل مرة ينعكس فيها الضوء هيبدأ يفقد جزء من قوته، ويبدأ اللون الأخضر يظهر أكثر بالتدريج، والعملية دي إسمها “نفق المرآة Mirror Tunnel”، وهي تجربة أجراها الباحثين “ريموند لي جونيورRaymond Lee Jr” و”خافيير هيرنانديز أندريس Javier Hernández-Andrés”، من جامعة غرناطة في إسبانيا.
نفق المرآة
بمناسبة تجربة نفق المرآة هتسأل سؤال مهم جدًا ممكن ييجي في بالك وهو، هل الانعكاسات اللي بتكونها التجربة دي عددها لا نهائي، ولا بيجو عند عدد معين ويخلصوا؟، الإجابة ببساطة لأ، مش لانهائي ولا حاجه، وبالتفصيل المراية لما بتوصل للانعكاس الخمسين مثلًا، بتكون فقدت جزء من الضوء يسمح لنا إننا نقدر نشوف اللون الأخضر بوضوح أكثر، ودا معناه إن الانعكاسات دي هتيجي عند نقطة معينة وتختفي، والسبب الأساسي اللي بيخلينا أصلًا نشوف نفق المرآة إن المراية لما بتيجي تعكس الضوء ويكون في مراية تانية قدامها، فالضوء بيسقط على المراية التانية دي وبدورها بتعكس الضوء تاني ويفضلوا بقى رايح جاي كدا ما بين المرايتين لحد ما بنلاحظ إن الصورة بدأت تصغر وتقل جودتها من انعكاس للتاني، ويبدأ أيضًا لونها يبقى باهت، والصورة لما بتبدأ تصغر مش بيكون لإن الضوء بيقل زي ما ممكن البعض يعتقد، لكن لإن كل مرة الضوء بينعكس فيها بينعكس من مسافة أبعد، وكأن المرايات بتبعد عن بعض بالتدريج، وبيفضل برضو الضوء رايح جاي، وطول ما هو رايح جاي يبدأ يفقد جزء من طاقته بالتدريج، وبالتالي الصورة بتفضل تصغر وتبهت، لحد ما نوصل لكام ألف انعكاس والصورة بتختفي نهائيًا، وكام ألف دي لو بنتكلم عن أكفأ أنواع المرايات، إنما المرايات العادية اللى موجودة فى بيوتنا ممكن تعمل لها بضعت مئات من الانعكاسات.