لما تبص على قائمة أكتر الدول المزدحمة بالسكان في العالم هتلاحظ حاجة غريبة، أول دولتين على رأس القائمة ممثلين في الصين والهند، عدد سكانهم لوحدهم أكبر من عدد سكان الـ 22 دولة اللي وراهم في القائمة “مُجتمعين”، طيب اشمعنا الدولتين دوول بالذات، قدراتهم التناسلية أكبر من باقي الدول مثلاً ولا إيه الحكاية؟

8 مليار نسمة

أوشك عدد سكان العالم على الدخول في 8 مليار نسمة عام 2022، الـ 8 مليار دوول أكتر من نصهم موجودين في قارة آسيا برقم يتخطى الـ 4.5 مليار نسمة، منهم قرابة الـ 3 مليار نسمة “2.850 مليار” في الصين والهند لوحدهم، الصين بـ 1.447 مليار نسمة، والهند 1.400 مليار نسمة، يعني الصين والهند بيمثلوا حوالي 38% من التعداد السكاني في العالم كله، ومفيش دولة في العالم تعدادها معدي حاجز المليار باستثناء الهند والصين.

وأحب أقولك إن في الـ 220 سنة الأخيرة أضافوا لوحدهم أكتر من 2 مليار نسمة لتعدادهم السكاني، يعني في 220 سنة عاملين أرقام تتخطى سكان دول بحالها مع بعضهم، والعجيب بقى إن معدلات النمو في الفترة دي بالهند والصين كانت هي هي تقريبًا الموجودة في معظم دول العالم، يعني ماكنتوش مثلاً بيخلفوا بزيادة خلال الفترة دي من الزمن عن باقي الدول، زيهم زي أي دولة من اللي سكانهم ما بيعدوش الـ 200 مليون نسمة أو حتى 100 مليون نسمة، أومال جابوا الـ 2 مليار نسمة دوول منين في 200 سنة؟.

الفكرة هنا أن الصين والهند من 220 سنة كان عندهم نفس الأرقام المهولة الموجودة عندهم النهاردة لكن بمعايير 200 سنة فاتت، في عام 1800، الصين كان تعداد سكانها عامل 330 مليون نسمة، يعني تقريبًا في نفس تعداد الولايات المتحدة الأمريكية النهاردة، واللي بالمناسبة بتحتل المركز التالت على قائمة أكتر دول العالم ازدحامًا بالسكان، ووقتها كان رقم الصين ده بيمثل 37% من إجمالي البشر على الأرض، والهند في نفس التوقيت كان عدد سكانها عامل 168 مليون نسمة، يعني زي ما إحنا منبهرين بأرقامهم دي النهاردة، نفس الانبهار ده كان موجود عند العالم كله من أرقامهم وقتها من أكتر من 200 سنة، مثلاً لو افترضنا أن نعناع وشمشون دخلو في مشروع، شمشون دفع ألف جنيه ونعناع 10 آلاف جنيه، وبدأ المشروع يجيب أرباح 10%، بالرغم من أن الاتنين ارباحهم جنيه لكل 10 جنيه حطوها؛ إلا إن بعد عشر سنين هنلاقي أن الـ10 آلاف عملت أرباح أكتر بكتير من الألف، وده بالرغم من أن الاتنين على مدار العشر سنين كانو بياخدوا نفس قيمة الأرباح.

بس السؤال هنا، اشمعنا نعناع كان معاه 10 آلاف في الوقت اللي كان شمشمون فيه معاه ألف، يعني من الأخر كدا اشمعنا الصين والهند كان عندهم الملايين دي كلها وبقية الدول معندهاش؟

مساحة وغذاء

من أهم الأسباب وراء التعداد السكاني المهول للهند والصين هي توافر المساحة والغذاء، عندك الهند مثلاً مساحتها لوحدها 3.287 مليون كم مربع، يعني بتتكلم في مساحة بتساوي 3 أضعاف مساحة دولة زي مصر، واللي هو إحنا ك100 مليون عايشين على رقعة صغيرة جدًا من مصر، والصين بقى مساحتها خيال علمي 9.706 مليون كم مربع، بس الفكرة هنا مش في المساحة وبس، أنت بتتكلم في مساحة وكمان أرض خصبة ومصادر متاحة ومتعددة للمياه العذبة، يعني إمكانيات مهولة للزراعة.

في 2016 تربعت الهند على قائمة أكبر دول العالم من حيث الأراضي الزراعية أو الأراضي الصالحة للاستخدام الزراعي بمساحة تخطت 1.564 مليون كم مربع، يعني بتتكلم في أكتر من نص مساحة أراضيها أراضي صالحة للزراعة، ونفس الأمر تقريبًا للصين اللي بتحتل المرتبة الرابعة على مستوى الأراضي الزراعية المستخدمة أو الصالحة بمساحة تبلغ 1.4 مليون كم مربع، ده غير إن زراعة الأرز على وجه الخصوص ما بين مختلف أنواع المحاصيل كان له دور كبير في السابق قبل انفتاح العالم والتبادل التجاري، أنت بتتكلم في محصول بينتج من 3 لـ 4 مرات السعرات الحرارية اللي بتنتجها معظم المحاصيل الزراعية، وفي نفس الوقت سهل زراعته وحصده أكتر من مرة على مدار السنة وبيحتاج عمالة كتير، كل ده كان بيشجع الأسر والمزارعين إنهم ينجبوا عدد أكبر من الأطفال بهدف مساعدتهم في الزراعة، وفي نفس الوقت الأكل كتير ويكفي بزيادة، بل إن الصين والهند تحديدًا أثبتوا أنهم من أكتر المواقع الملائمة للبشر على مستوى توافر سبل الحياة، فكانت ملائمة للتجمعات والصيد والزراعة، لكن ده بالنسبة عن البداية، طيب والاستمرارية، إيه اللي حصل في الدول دي بعد كده؟

ميزة ولا عيب

طبعًا مع التقدم الطبي انخفضت نسبة الوفيات بين الأطفال وبين الأمهات أثناء عمليات الولادة، كذلك ساهم الطب في ارتفاع أعداد المواليد بين الأباء والأمهات اللي كانوا بيواجهوا مشاكل في عملية الإنجاب، نفس الأمر مع الأباء والأمهات الأكبر سنًا، كلها أمور سَرعت من معدل زيادة المواليد في العالم كله وخصوصًا بالدول اللي تعدادها السكاني في أصله مرتفع، طب هل الزيادة السكانية دي في صالحهم، هل بتديهم أفضلية مثلاً على باقي دول العالم ولا لأ؟.

سياسة الطفل الواحد

زي ما فيه منافع من الزيادة السكانية الضخمة في الصين والهند فيه برده عيوب، الصين كسرت حاجز المليار نسمة في 1980، والهند حصلتها بعدها بـ 17 سنة في أواخر التسعينات، استفادت الصين لسنين طويلة من تعدادها الضخم اللي شكّل مصدر متين للقوى العاملة وغذى النمو الاقتصادي، لكن في نفس الوقت مَثل عبء على الصين خصوصًا في مرحلة الإصلاح الاقتصادي اللي انتهت عام 1978، وقررت الصين بعدها بسنة إصدار أحد أغرب قوانين العالم على الإطلاق ألا وهو سياسة الطفل الواحد، وبموجب السياسة دي، تم فرض عقوبات رادعة ومخيفة على المواطنين المخالفين اللي بيجيبوا أزيد من عيل واحد، العقوبات دي شملت دفع غرامات وإعفاء من مزايا وطرد من الوظائف الحكومية، وبعض المصادر قالت إن الموضوع كان بيوصل للإجهاض الجبري أو في بعض الحالات كان يتم عمل إخصاء للأب.

بالرغم من قسوة القرار اللي تم فرضه؛ إلا أن في الصين، بالفعل نجحت القصة بالحد من أعداد المواليد بصورة ملحوظة، والمثير للدهشة بقى ويخليك تبقى هتتجنن، أن الصين تحولت من سياسة الطفل الواحد وتغريم المواطنين في نهاية السبعينيات من القرن الماضي لحث مواطنيها النهاردة على الخلفة باعتبارها قضية قومية، بل إنها هتوفر كمان للأسر المُنتجة مزايا ومكافأت “تخلف أكتر، تكسب أكتر”.

إيه اللي حصل بقى؟

في نفس الوقت اللي أعداد المواليد فيه كانت بتقل، أعمار البالغين كانت بتزيد، وارتفع متوسط الأعمار بين الصينيين بشكل مُلاحظ،
وعشان تواصل الصين نموها الاقتصادي ودعم المسنين، قررت في 2015 تعديل سياسة الطفل الواحد وتسمح للمواطنين بإنجاب طفلين، لكن الموضوع ما فرقش أوي، بل إن البلاد سجلت انخفاض قياسي في عدد المواليد لم تشهده من أكتر من 40 سنة، ولك أن تتخيل إنه بعد تعديل سياسة الطفل الواحد بلغ عدد المواليد في الصين في 2017 أكتر من 17 مليون مولود، وفي 2020 الرقم انخفض لـ 12 مليون، والخبراء بيتوقعوا أن الأمور هتسوء عن كده كمان، بيقولو أنه مع العشر سنين الجايين أعداد النساء اللي بتتراوح أعمارهم من 23 لـ 30 عام ستنخفض بنسبة 40%، ودعت الحكومة ووسائل الإعلام في الصين مواطنيها للانتباه لحجم المشكلة وحثهم على الإنجاب بعد ما كانت بتهددهم بالإخصاء لو انجبوا، في الوقت ده ومن ساعة ما الصين مشيت في قصة سياسة الطفل الواحد، والهند عدد سكانها بيزيد لدرجة إنها أوشكت على تخطي الصين خلال سنين معدودة، لكن الموضوع وعلى عكس الصين دلوقت عاملها مشكلة وبتحاول إنها تفكر في برامج قومية تحد من خلاله شوية من أعداد المواليد بحجة تقليل نسب الفقر في البلاد والبطالة وغيرها، بس على الله ما يرجعوا يبوسوا إيد المواطنين عشان يخلفوا بعد كده.

الخاتمة

وفي النهاية، بالرغم من الزيادة السكانية في الهند والصين إلا أن استفادتهم من الثروة البشرية لشعوبهم كان واضح بلا أدنى شك على كيانهم الاقتصادي واللي بيتقدموا بيه دول العالم النهاردة من حيث إجمالي الناتج المحلي، الصين في المركز التاني، والهند ما بين الخامس والسادس، ومش بالضرورة زيادة التعداد السكاني يكون أزمة للدول، ممكن الواحد يخلف ويربي ويعلم صح ويوفر لمجتمعه ودولته ذرية صالحة ونافعة للبلد تدفعها لمصاف دول العالم، والدول لو وفرت أدنى حقوق أبنائها من صحة وتعليم وحياة كريمة هتلاقي العائد أضعاف مضاعفة من عمل وعلم واجتهاد.