تعتبر فترات الربط المشهورة بالترانزيت فى المطارات، من أسوأ التجارب اللى بيمر بيها المسافرين، فالسفر فى حد ذاته موضوع فى غاية الارهاق، وخصوصا لو كانت الرحلات طويلة وعلى مقاعد درجة مش عالية، ولو كان من العادى إضطرار البعض إنه يستحمل لعدم وجود البديل، إلا إنه مش طبيعى أبدا إن واحد يختار بنفسه الانتظار ده لمدة 18 سنة.
اضطراب القصة
قصتنا النهاردة بطلها هو الايرانى مهران ناصيرى Mehran Nasseri، أو زى ما هو مسمى نفسه السير ألفريد ميهران Sir Alfred، والسير ألفريد ده بقى أصر إنه يعيش فى المبنى رقم 1 بمطار شارل ديجول الفرنسى لمدة 18 سنة متوصلين، والظاهر كده انه كان مستعد يستمر لفترة أطول من كده بكتير، لكن لظروف المرض القهرية أنهى المسئولين إنتظار مهران الطويل واحتفظوا بيه فى دار لرعاية المسنين، والحقيقة إن قصة مهران مضطربة و محاطه بالجدل والروايات المختلفة، وده لان مهران كان بيدلى بروايات متضاربة لمحاميه أو حتى لمختلف الصحفيين والاعلاميين اللى كانوا بيزوروه فى المطار عشان يعرفوا قصته، لكن ليه بقى مهران كان بيمد محاميه ومجموعة الصحفيين دول بمعلومات متضاربه فده شيئ مش معروف، وإن كان بيرجعه البعض لاضطراب عقلى تعرض ليه مهران من طول فترة الانتظار، وفى عرضنا انهارده هنعتمد على شهادة اتنين من اللى تابعوا قصة مهران بكل تفاصيلها، والاتنين دول هم محاميه الفرنسى اللى تطوع للدفاع عنه السيد / كريستيان بورجت Christian Bourget أما التانى فهو صديقه الأمريكي الصحفي والكاتب المقيم بلندن بول بيركزيلر Paul Berczeller.
الخروج من إيران
بتبدأ قصة مهران مع نشأته فى أسرة إيرانية ميسورة الحال لأب بيعمل طبيب فى شركة النفط الانجلو ايرانية، وكان لمهران أربع أشقاء من الذكور وشقيقتين من الاناث، وكان أقرب الاشقاء لمهران أخوه الأكبر منه مباشرة السيد / سايروس Cyrus واللى إنتقل لانجلترا لممارسة أعماله كرجل أعمال ومحب للاستثمار، لكن مع وفاة الاب سنة 1967 انتقل سايروس لانجلترا، بينما إستمر مهران فى ايران لاستكمال دراسته الجامعية، وبيبدأ السيد بورجت يحكى عن قصة موكله وبيقول: إن مهران شارك فى إضطراب طلابى فى جامعة طهران سنة 1970م، وكان الاضطراب ده بسبب اعتراضات الطلاب على لائحة جامعية جديدة، وهو الأمر اللى أدى للخروج عن السيطرة وتدخل قوات الأمن والقبض على عدد كبير من الطلاب المشاركين فى الاحتجاج ومنهم طبعاً مهران، وعلى حسب تأكيد بورجت فكانت مشكلة مهران مع الأجهزة الأمنية مشكلة جادة، وإن كان بيؤكد إنه لم يتعرض للتعذيب ولا النفى ولا مثل هذه الأمور، وده الكلام اللى بيكذب بيه المحامى رواية موكله اللى ادعى فيها إنه بعد الواقعه دى بفترة قصيرة تم سحب جنسيته وطرده من ايران، ومحاميه بيقول: سواء تم سحب جنسيته وطرده من إيران أو خرج منها بمحض إرادته، فالمهم إنه دخل الاراضى الفرنسية بطريقة شرعية، وهو المبرر الكافى لحصوله على حقوقه بصورة متكاملة، خاصة إن خروج مهران من إيران لم يكن باتجاه الأراضي الفرنسية مباشرة، إنما اللى حصل إن مهران قدرعن طريق مساعدة أخوه إنه يحصل على منحه دراسية فى جامعة برادفورد the University of Bradford.
المفاجأة المزعومة
خلال فترة دراسة مهران بالجامعة الانجليزية، كان بيتقدم بكتير من طلبات اللجوء لانجلترا وغيرها من البلدان الاوروبية، بعد حرمانه من الرجوع لايران مرة تانية حسب روايته، وبعد عدة محاولات قدر فعلا مهران فى سنة 1981 إنه يحصل على وضع اللاجئ فى بلجيكا، وهى الخطوة اللى مكنته إنه يسافر بلجيكا لاستكمال دراسته وحياته بشكل عام، وبالفعل استمرت حياة مهران فى بلجيكا لمدة 7 سنين متواصلة، إلا إنه فجأة ولسبب ما، أدعى إنه تلقى إتصال تليفونى من والدته الايرانيه قبل وفاتها عشان تعترف له إنها مش أمه الحقيقية وقالتله إنه فى الحقيقة أبن لممرضه اسكتلندية كان ابوه اتعرف عليها أثناء زيارته لبريطانيا، وطبعا القصة دى ما أمكنش الاستدلال على صحتها باى طريقه فيما بعد، ومن الواضح كده إن مهران إكتشف فجأة إن بريطانيا لا تعوض، ومن الواضح كمان إنه اختلق القصة دى على أمل إنه ينول الجنسية البريطانيه، أوعلى أضعف الايمان حق اللجوء فى بريطانيا نفسها مش بلجيكا، ومع الفكرة الجديدة دى قرر مهران فجأة ان اسمه الحقيقى هو السير ألفريد، وهو الاسم اللى قالتله عليه امه حسب ادعاؤه خلال المكالمة التليفونية.
الخطة المتهورة
بعد ما طقت فى دماغ مهران قصة أمه البديلة دى، بدأ على الفور فى تنفيذ خطة فى منتهى التهور، فبالفعل ساب بلجيكا وإتجه لفرنسا عن طريق القطار، و كانت وجهته هى مطار شارل ديجول، على أمل إنه ياخد طيارة يقدر يروح بيها للاراضى الانجليزية، ومكتفاش بكده، لكنه قرر كمان إنه يتخلص من أوراقه كلها ويدعى انها اتسرقت، وطلب السير ألفريد من شركة الطيران بإلحاح السماح له بالصعود على الطيارة، وطلب منهم أن يتم تسليمه للشرطه فى مطار هيثرو بلندن، وكان بيأمل السير ألفريد إنه يقدر يسوى أوضاعه ويحصل على إقامه مؤقته فى الفترة الاولى على الاقل، لكن مع الاسف 50% بس من مقامرة السير ألفريد هى اللى نجحت، وقدر فعلا إنه يقنع السلطات الفرنسية إنه يستقل الطيارة من غير أوراق، لكنه مقدرش إنه يقنع السلطات فى مطار هيثرو بترتيب أوضاعه ومنحه حق الدخول، وكان القرار هو إعادة السيد ألفريد مرة تانيه لمطار شارل ديجول بفرنسا.
ليه اتحبس فى المطار؟
فى مطار شارل ديجول واجه السير ألفريد وكمان واجهت معاه سلطات المطار وضع جديد تماما، يبدو إنه حتى ما ممرش بذهن المشرع الفرنسى، فالشخص اللى بيدعى أن أسمه السير ألفريد هو إيرانى الاصل تم إسقاط الجنسيه عنه، يعنى ملوش بلد يتم ترحيله ليها وهو نفس الشخص اللى بيدعى إنه كان لاجئ فى بلجيكا، لكنه فى نفس الوقت مش معاه الاوراق اللى بتثبت كده، ده غير أن القانون البلجيكى أصلا بيسقط حق اللجوء لـ اللى يسيب البلد طواعيه، أما بريطانيا فمش سامحه له بالدخول من الاصل، وبالنسبة لفرنسا بقى فمعندهاش أى تصاريح تمكن المسئولين من السماح له بالدخول للاراضى الفرنسية، واخيرا مفيش نص معين فى القانون الفرنسى بينص على الحالة دى تحديدا، وعشان كده كان القرار الوحيد المتاح إنهم يسيبوه زى ما هو محبوس فى المطار.
ازاى عاش وكان بياكل منين؟
رغم العمر الطويل اللى قضاه السير ألفريد فى المطار، الا إنه متعرضش أبدا لاى مشاكل مادية، وبيرجع السبب فى كده لانه أصلا ميسور الحال، ويبدو إنه كان محتفظ بمبلغ من المال لانجاز مهمته، أما السبب التانى اللى حمى السير ألفريد من المشاكل المادية خصوصا فى الفترة الاولى، فكان تعاطف الجميع معاه من المسافرين وموظفى المطار، واعتاد الجميع إنهم يقدموا ليه المساعدات مشاركة منهم فى تقويته على مواجهة الموقف الصعب اللى هو فيه، والمساعدات دى مقتصرتش على الاكل والشرب والمجلات و بس، إنما كمان وصلت لظهور السيد بورجت المحامى الحقوقى وتطوعه النضال لمساعدته فى حل المشكلة، اما السبب التالت بقى اللى حول المشكلة المادية لحالة من الثراء، فكان التسابق بين وكالات الاعلام فى إجراء الحوارات واللقاءات معاه، بل وصل الامر بالسير ألفريد لتوقيعه عقد مع شركة DreamWorks للانتاج السينمائى لشراء سيرته الذاتيه وتقديمها فى عمل سينمائى.
وعلى الارجح كانت الظروف دى اللى وجد فيها السير ألفريد التعاون والود من الجميع، واحدة من الاسباب اللى خلت الكرسي الأحمر المنحنى فى مطار شارل ديجول يكون أفضل الاماكن بالنسبة له خلال فترة إقامته الطويلة، وهى برضه الظروف اللى خلت السير ألفريد مش فارقه معاه يطلع من المطار ولا يفضل عايش فيه، والكلام ده كله تم التأكد منه لما قدر محاميه انه يحصل له على احكام باللجوء فى بلجيكا وفرنسا كمان، لكنه رفض الحقوق دى بحجة إنها كانت موجهة لشخص من إيران أسمه مهران ناصيرى إنما هو السير ألفريد، لكن كانت أغرب ردود الافعال اللى أخدها السير ألفريد على الاطلاق، هو التنكر لكل أفراد عائلته اللى طبعا عرفوا بقصته وكانوا بيحاولوا يساعدوه، وطبعا رد الفعل الغريب ده خلى كتير من الناس تبدأ فى فقدان تعاطفها معاه، واعتبر البعض التانى انه اصابه الجنون من طول الانتظار، وفى لقاء للكاتب Paul Berczeller مع السيد سايروس Cyrus اخوه المقرب قال السيد سايروس: نحن لا نفهم ماذا حدث ! لقد كان أخى طبيعيا فى كل شيئ،.كان مثقفا ويقضى كل وقته فى دراسة الكتب وقراءتها والاستماع للراديو، كان يقرأ كتب السياسة طوال النهار والليل، كان ذلك مهمًا للغاية بالنسبة له، لا أفهم ماذا حدث له، ولكنى تأكدت أن هذه هى الطريقة التى يريد ان يعيش بها. أما السيد بورغت محامى ألفريد فصرح للجارديان بقوله: لقد وصل السير ألفريد عاقلًا إلى المطار، لكن في مرحلة ما على طول الطريق تساوت عنده كل الامور، انقلب ألفريد إلى الجنون و دمرت حياته بسبب بعض السخافات البيروقراطية