بترجع أقدم وثيقة تاريخية على شكل رسالة بريدية تم العثور عليها لسنة 2000 قبل الميلاد، وأستمر التطوير فى المراسلات البريدية واللى شهدت كتير من التنظيم مع بداية نشأة الإمبراطورية الرومانية، لكن فى الوقت ده عادةً ما كانت المراسلات الورقية أو العينية بتقتصر بس على الولاة والحكام والملوك، أما المواطنين العاديين فمكانش عندهم أى إستفادة من النوع ده من الخدمات، وأستمر الوضع على كده مئات السنين لحد ما بدأ تنظيم الأمر حكومياً، واللى بدأ تقريباً مع ظهور أول خط سكة حديد، وأندفع الناس للإستفادة من الخدمة الجديدة بطريقة مجنونة، ومع نمو أعداد مكاتب البريد وزيادة ثقة الناس تنوعت الخدمات، فبجانب المراسلات الورقية المعتادة تم اقرار الحوالات والشيكات وبنوك الإدخار وحتى الطرود، والطرود دى بقى أدت لمراسلات غريبة فاقت كل تصور.

القضاء على العبودية بالبريد

هنرى بوكس براون هو أفريقى الأصل كان بيعانى العبودية بولاية فيرجينيا الأمريكية، ومع معاناة براون من سيده القاسى وحرمانه حتى من زوجته اللى تم بيعها لسيد تانى، كانت فكرة الحرية والخلاص من الذل و العبودية هى الشغل الشاغل الوحيد له، ومع ملاحظة براون خدمة البريد اللى كان بيوصل أحيانا لسيده فى كراتين وصناديق كبيرة وكان بيحتوى على الملابس والحبوب ومختلف البضائع، خطرت له فكرة جمعت بين العبقرية والجنون، فأنفق تحويشة عمره اللى كانت تبلغ وقتها 86 دولار، عشان يوصل لاتفاق مع صديق له بيمتلك متجر محلى بسيط انه يقوم بشحنه وارساله بالبريد داخل صندوق بيحتوى على القليل من الماء والبسكويت لولاية فيلادلفيا، واللي كانت واحدة من الولايات الامريكية اللى ألغوا نظام الرق وقتها.
وبالفعل فى يوم 23 مارس سنة 1849، حط هنرى براون نفسه فى صندوق طوله 90 سم وعرضه حوالى 60 سم وعمقه برضه 60 سم، وكان الصندوق مبطن بقطعة قماش من الصوف وبيحتوى على فتحه صغيرة واحدة للتهوية، و بعدها بدأ الصندوق رحلته اللى استمرت 27 ساعة، واللى تم فيها قطع المسافة عن طريق السكك الحديدية والقوارب الصغيرة، ومع وصول براون لفيلادلفيا خرج بهدوء من الصندوق وهو بيرحب بالمسئولين، وقدر براون انه يحصل على حريته وكمان يحصل على اسمه الجديد (بوكس براون)، وهو اللقب اللى تم تلقيبه بيه نتيجة للطريقة اللى قدر ينال بيها حريته فى صندوق، وأصبح بوكس براون بعدها ناشط ومناهض للعبودية، وزادت شهرته فى المجتمع الامريكى وقدم العديد من الخطب والقصص والأعمال المسرحية.

النضال السياسى باستخدام البريد

المناضلتين البريطانيتين الآنسة سولومون والآنسة ماكلالين، وصلوا لفكرة استخدام البريد فى الحصول على بعض الحقوق السياسية للنساء، فمع المحاولات الأعتيادية غير المثمرة عن طريق اللافتات والتظاهرات فى الشوارع، أدركت سولومون وماكلالين ان مقابلة رئيس الوزراء البريطانى هربرت أسكويث هي الحل الأمثل لعرض المطالب، ومع العجز فى ترتيب ميعاد مع رئيس الحكومة بجميع الطرق الطبيعية، فكرت سولومون وماكلالين فى استخدام البريد لتنفيذ الفكرة، وبالفعل راحت المناضلتين فى يوم 23 فبراير سنة 1909 لمكتب البريد وطلبوا ارسال نفسهم لمكتب رئيس الوزراء، ومكانش أمام مصلحة البريد أي وسيلة لرفض طلبهم باعتبار إن مفيش أى قانون يمنع من تنفيذ الخطوة دى، وكل اللى بينص عليه القانون هو أستيفاء المصاريف الإدارية، وبالفعل تم انتداب السيد بالمر Palmer واللى بيعمل كساعى بريد فى المصلحة للقيام بالمهمة، واصطحب السيد بالمر الآنستين وتوجه معاهم لمكتب رئيس الوزراء، لكن قدر المكتب انه يتملص من استلام البريد المرسل بحجة انه برضه مفيش قانون بيلزم الأفراد باستلام البريد، ورغم عدم تمكن المناضلتين من مقابلة رئيس الوزراء، إلا إن قصتهم تناقلتها الصحف والناس وزادت شهرتهم، وهو الأمر اللى أدى فى النهاية لحصول المرأة البريطانية على حقوقها السياسية بصورة كاملة ومنها حق الاقتراع فى سنة 1918.

إرسال الأطفال بالبريد

فى الحقيقة إرسال الناس عن طريق البريد لم يقتصر فقط على حد بيعاني من العبودية أو سيدات عندهم مشاكل سياسية صعبة، إنما وصل الأمر بالبعض لإستخدام البريد فى ارسال الأطفال للقيام بزيارات ودية، فى يوم 19 فبراير من سنة 1914، قرر السيد بيرستورف وزوجته المقيمين بمدينة جرين چفيل Grangeville بولاية أيداهو الأمريكية، أستخدام البريد لشحن طفلتهم الصغيرة شارليت صاحبة الأربع سنوات فى زيارة لجدتها بمدينة لويستون Lewiston بنفس الولاية، وده كان القرار اللى أتخذته الأسرة بعد ما أكتشفت إن المبلغ المطلوب لشحن الطفلة لا يتجاوز ال 15 سنت، وهى قيمة الدمغة المطلوبة، واللى طبعا كانت أرخص كتير من سعر تذكرة القطار، وخاصةً إن القطار كان هيحتاج لمرافق مع الطفلة للوصول للمدينة التانية، بينما كانت مصلحة البريد بتوفر عملية النقل دى مع المرافق المجانى اللى هو ساعى البريد، ومع وصول الاسرة لمكتب البريد أندهش مدير المكتب من طلب الأبوين، لكنه كالعادة مكانش بيملك أى طريقة قانونية للرفض، وكل اللى قدر يعمله انه يرفع مبلغ التأمين للحد الاقصى اللى كان بيبلغ 50 دولار، واللى اصلا كان بيتم استرداده بعد وصول الشحنة، لكن كمان قرر الراجل انه يقوم بنفسه بمهمة ساعى البريد وايصال الطفلة لجدتها، وبمجرد نجاحه فى مهمته بدأ التحرك القانونى لإلغاء خدمة ايصال البشر وخاصة الأطفال، وبالفعل أثمرت مجهوداته، وكانت الطفلة شارليت ماى بييرستورف هى آخر الشحنات الأدمية المرسلة بالبريد، واللى بعدها أصبحت ممارسة شحن البشر عبر بريد الطرود غير قانونية.

شحن مبنى كامل بالبريد

بيقدم رجل الأعمال الشاب ومدير بنك يوتا الأمريكى وليام كولثارب William Coltharp، تجربة اكبر شئ تم ارساله بالبريد على مدار التاريخ، فالراجل ده قدر يبعت مبنى كامل مكون من طابقين بالبريد!
فى سنة 1916 فكر وليام كولثارب فى تأسيس فرع جديد لبنك يوتا بمدينة ڤيرنال Vernal مسقط رأسه، وبحسبة مالية كرجل أعمال، لقى كولثارب إن توصيل كمية المواد الخام المطلوبة لعمليات البناء بين موقع البنك المنتخب وأقرب مكان للتوريد، من الممكن انه تكون التكلفة فيها فى حالة الشحن بالطرق التقليدية توازى ضعف التكلفة المطلوبة فى حالة الأعتماد على مصلحة البريد فى الشحن والتوصيل، فبالتأكيد يعنى هو مش هيشحن مبنى البنك جاهز بالبريد، لكنه على الاقل يقدر يبعت الشحنات أياً كان نوعها، ابتداءً من معدات الحفر و البناء مروراً بالرمل والطوب والأخشاب، ووصولا لكل الديكورات والدهانات المطلوبة، وبالفعل بدأ كولثارب فى تنفيذ فكرته وبدأ فى ارسال أربعين صندوق يومياً محملين بكل المواد الخام، وكانت الشحنة اليومية بالبريد مش بتقل بأى حال من الأحوال عن طن كامل، وهو الأمر اللى أسفر فى النهاية عن الإنتهاء من أعمال البناء خلال سنة واحدة، ومن بعدها بدأ البنك فى تقديم خدماته للمواطنين، ومازال موجود لغاية النهاردة وبيطلق عليه الناس The Parcel Post Bank بمعنى بنك الطرود البريدية، وهو البنك اللى قدر كولثارب انه يقوم ببناؤه بأرخص التكاليف، لكنه قدر برضه انه يتسبب فى تعديل اللوائح بعدها وأقرار عدم امكانية الإرسال بالبريد لأكثر من 90 كجم فقط.

أغلى شئ تم إرساله بالبريد على الإطلاق


بيشتمل المتحف الوطنى للتاريخ الطبيعى سميثونين Smithsonian على قاعة كاملة للجيولوجيا، بتحتوى على أندر الأحجار الكريمة والمعادن فى العالم كله، وهي قاعة جانيت أننبيرج Janet Annenberg، فمثلا بتحتوى القاعة دى على عقد ماسى من ممتلكات نابليون بونابرت، وبتشتمل على أكليل بيرجع لزوجته مارى لويز Marie Louise، ده غير بقى مجموعة من التحف النادرة زى العقد المعروف بقلادة محاكم التفتيش، أو بروش الزمردة الخضراء الشهير، وطبعاً كل المقتنيات دى لا تقدر بثمن دلوقتي، لكن على الرغم من قيمة التحف دى كلها إلا إن أقيم وأشهر المقتنيات فى القاعة كلها هى الماسة الزرقاء الكبيرة المعروفة بماسة الامل أو The Hope Diamond، وماسة الأمل دى هى واحدة من أكبر وأقيم الأحجار الكريمة فى العالم كله،وبتزن حوالى 45 قيراط ونص وبتشتهر بلونها الأزرق الداكن، وبتحيط بالماسة وسادة مصنوعة من عنصر البورون النادر على شكل حلقة مرصعة ب 16 ألماسة صغيرة، وبترتبط المجموعة ب 45 ماسة بيضاء على شكل سلسلة، وبتجذب الماسة النادرة دى حوالى 6 مليون زائر سنوياً، وأمتلك الماسة عبر التاريخ كتير من المشاهير كان آخرهم لويس السادس عشر ملك فرنسا، وأستقر الحال بالماسة القيمة عند رجل الأعمال الشهير بملك الماس هارى وينستون Harry Winston واللي قرر التخلي عن الماسة والتبرع بيها لـ Smithsonian فى نوفمبر من سنة 1958.

ملك الماس هارى وينستون Harry Winston

كل ده جميل وكل حاجة، بس المدهش بقى في الموضوع إن وينستون أختار طريقة الطرود البريدية لإرسال الماسة النادرة للمتحف، وهو الأمر اللى كلفه دولارين و44 سنت فقط مع إضافة مبلغ تأمين قدره 142 دولار، ومع وصول ساعى البريد السيد جيمس تود James Todd لمؤسسة Smithsonian، أتضحت الخطة المتهورة لوينستون بعد ما قام جيمس تود بتسليم التحفة النادرة لرئيس المتحف وسط حضور إعلامى ضخم، وهو الحضور اللي تمت دعوته من غير إعلامه بأى تفاصيل، وأعتقد الجميع وصول موكب مهول بتحيط بيه قوات الجيش لحماية المفاجأة المعلن عنها، لكن أمام الزوار وصل ساعى البريد البسيط وأخرج علبة خشبية أبسط، عشان يخرج منها أغلى حجر كريم فى تاريخ المتحف، وأغلى حاجة تم إرسالها بالبريد على الإطلاق.