السلاحف تعتبر واحدة من أكثر المخلوقات المُعمرة على الإطلاق ومتوسط عمرها ممكن يعدي الـ 100 سنة بسهولة، والحيتان بوجه عام، وبما فيهم الحوت مقوس الرأس (Bowhead whale) بيقدر يعيش لأكتر من 200 سنة، وبعض أنواع القروش ممكن عمرها يوصل لـ 400 سنة، وعلى النقيض تمامًا هنلاقي إن الفئران والجرذان بتنتهي حياتهم بالكامل بعد حوالي أربع سنين، وسمكة زي سمكة الفيروز الأفريقية (African Turquoise Killifish) متوسط عمرها من 3 لـ 4 شهور، ودودة الربداء مثلاً والمعروفة باسم دودة المختبر (Caenorhabditis elegans) عمرها بالكامل عبارة عن 3 أسابيع، فياترى إيه السبب في الفجوة الغريبة دي؟

الشيخوخة لدى الجميع

معظم المخلوقات الموجودة في الطبيعة، بيحصلهم تدهور في وظائف جسمهم بعد فترة زمنية معينة، وهي المرحلة العمرية معروفة باسم الشيخوخة، وبالرغم من إن سن الشيخوخة بيختلف من مخلوق للتاني، وحتى مسبباتها والعوامل اللي بتؤدي ليها مختلفة برضو إلا إن آلية عمل الشيخوخة عند كل المخلوقات تقريبًا ثابتة.
الشيخوخة بوجه عام وعند كل الكائنات بتكون ناتجة من موت الخلايا وعدم قدرتها على التجديد؛ وعشان أي مخلوق يقدر يعيش بيحتاج إن خلايا جسمه تتجدد بإستمرار، مربط الفرس في الموضوع هو إنه مع مرور الوقت ومع التقدم في العمر، بتبدأ العملية دي تتباطأ وما بتتمش بشكل سريع.
بالإضافة كمان لإن الخلايا اللي بتكون موجودة في الجسم وخصوصًا في المراحل العُمرية المُتأخرة بتكون أصلا خلايا مُسنة ومش قادرة تقوم بمهامها بنفس الكفاءة، واللي بدوره بيخلي وظائف الجسم تتدهور تدريجيًا، وبيؤدي في النهاية للمرض أو الوفاة.
السيناريو اللي حكيناه ده، ربنا سبحانه وتعالى فطر عليه الخلق كلهم، لكن بالرغم من كده في تباين واضح في الأعمار داخل المملكة الحيوانية بالذات، بعض الحيوانات بيعيشوا لقرون والبعض الأخر بيعيشوا لأيام معدودة، مع إنهم زي ما قولنا، بيشيخوا بنفس الطريقة، فياترى بقى إيه السبب في التفاوت ده؟

حجم الجسم

زمان لما علماء الأحياء كانوا بيرصدوا أعمار الحيوانات، وبيحاولوا يفهموا سبب التفاوت بينهم، وصلوا وقتها لفرضية غريبة جدًا، والفرضية دي كان اسمها (المليار نبضة)، والموضوع بإختصار إنهم قالوا إن جميع الحيوانات في البرية بإختلاف أشكالهم وأنواعهم، عمرهم محصور داخل مليار نبضة قلب، وأي كائن قلبه هيخلَّص المليار نبضة دول، فده معناه إنه كده عمره إنتهى، يعني الفيل مثلاً على سبيل المثال، خلال عمره المفروض قلبه بينبض مليار نبضة، والفأر ينبض مليار نبضة على مدار عمره، واللي بيخلي الفيل يعمر أكتر من الفأر، هو إن نبضات قلب الفيل بطيئة، ونبضات قلب الفأر سريعة، حاجة كدا زي فترة حياة اللمبة الليد كدا.
الحقيقة الموضوع لأول وهلة يبان سطحي جدًا، لكن بالرغم من كده، العلماء عندهم وجه نظر من ناحية معدل الأيض.
معدل الأيض هو معدل الطاقة اللي بيستهلكها الجسم في الأوقات الطبيعية أو في حالة الإسترخاء عشان يقوم بوظائفه الأساسية، والوظايف الأساسية دي زي الدورة الدموية والتنفس وزي الوظائف اللي بتقوم بيها الدماغ والأعصاب وغيرهم، وكذلك عمليات هضم الطعام في المعدة وعمليات الإتزان الخلوي اللي بتتم داخل الجسم.
وممكن نبسط الموضوع ونشبه معدل الإيض، بـ بنزين العربية مثلاً، السيارة اللي بتستهلك بنزينها بشكل أبطأ هتفضل ماشية لفترة أطول، يعني معدل التمثيل الغذائي أو الإيض المنخفض عند الحيوانات، فده معناه إنهم هيعيشوا فترة أطول.

ومعدل الأيض ده مرتبط بشكل صريح بـ حجم الجسم؛ لأن حجم الجسم بيساهم بشكل أو بأخر في تبطئ معدل الإيض، وبناءًا عليه، الحيوانات اللي حجمها كبير في العادة عمرها بيكون أطول من الحيوانات اللي أصغر في الحجم؛ ولأن الفيل والحوت حجمهم ضخم فده بيخليهم يعيشوا لسنين طويلة، وفي نفس الوقت الفئران والقوارض أعمارهم أكبر بكتير من المخلوقات الصغيرة في الحجم زي الديدان والذباب.
ده غير إن في نقطة مهمة متعلقة بموضوع الحجم ألا وهي الإفتراس، الكائنات الصغيرة في الحجم بتكون عُرضة للإفتراس أكتر من غيرها،الفأر مثلاً بالرغم من إنه عمره ممكن يمتد لأربع سنوات زي ما قولنا، إلا إنه مش مُتوَقَع ليه إطلاقا إنه يفضل على قيد الحياة في البرية لأكتر من سنة؛ لأن الفار طبق غدا رئيسي بالنسبة لأي حيوان مفترس، وتقريبًا مفيش كائن مفترس على وجه الأرض مبيكلهوش.
أما بقى الحيوانات الكبيرة في الحجم فمحدش بيهزر معاها، وبكده بيكون عندها متسع من الوقت إنها تنمو لأحجام كبيرة وتتكاثر عدة مرات خلال حياتها.

أسلحة آخرى بخلاف الحجم

كل حيوان من حيوانات البرية بيمتلك سلاح إستثنائي خاص بيه، بيسمحله بإنه يعيش في الحياة لأطول فترة ممكنة، ومش شرط الموضوع يكون متعلق بالحجم، الحوت مثلاً هو أكبر الحيوانات حجمًا على الإطلاق، لكن بالرغم من كده حجمه مش هو السلاح اللي بيقيه من الأمراض، ولا هو العامل الوحيد في عمره الطويل، ولكن فيه عامل أخر مهم، وهو قدرة الحوت على مقاومة الأمراض المرتبطة بالعمر زي السرطانات.
مع التقدم في العمر، ومع كل مرة بتحل فيها خلية في الجسم مكان واحدة تانية بيبقى فيه فرصة ضئيلة لحدوث أخطاء في الحمض النووي يتسبب عنها نمو في الخلايا السرطانية، وبالرغم من إن فيه مجموعة من الجينات الوقائية داخل الجسم بتحمي من الموضوع ده، لكنها للأسف في معظم الأوقات بتكون إتعرضت للتلف هي كمان.
بعض الحيوانات بقى زي الحيتان أو الفيلة، بيكون عندهم نسخ متعددة من الجينات الوقائية دي، وبالتالي في حالة تلف نسخة منهم بيبقى فيه نسخ أخرى من الجين قادرة على الإستمرار في العمل وتقليل ظهور الأمراض المرتبطة بالشيخوخة اللي هي السرطانات، وده بشكل أو بأخر بيساعد في إطالة عمر الحيتان والفيلة.

من الغريب برضو إن دايمًا لو الحيوان صغير في الحجم ولكنه بيمتلك جناحين، فده بيخليه هو كمان إستثناء من قاعدة الحجم، الطيور بوجه عام سواء الصقور أو العُقبان أو النسور أو حتى البوم، أعمارهم طويلة، والملفت أكتر إن فيه أنواع من الببغاوات عمرها طويل بشكل غريب، “الببغاء الرمادي الأفريقي African Grey Parrot” مثلاً ممكن عمره يوصل لـ 50 سنة، و”ببغاء الأمازون Amazon Parrot” ممكن متوسط عمره يوصل لحوالي 80 سنة.
وعلى ذكر الطيور فـ فيه كائن هو مش طائر أوي، ولكنه بيمتلك جناحين، والكائن ده هو الخفاش، الخفاش واحد من الحيوانات اللي بيتميز بطول عمره مقارنة بحجمه، عمر الخفاش تقريبًا بيكون أكبر بـ تلات أضعاف ونص عمر أي حيوان تاني من الثديات عنده نفس الحجم، الخفافيش بتعيش لأكتر من 40 سنة في المتوسط، في حين إن أي كائن تاني من الثديات في نفس حجمه المفروض يعيش حوالي 10 سنوات فقط، والمفارقة الغريبة دي بسبب إن الطاقة العالية اللي بيبذلها الخفاش أثناء الطيران بتؤدي لظهور مخلفات في خلاياه اسمها “الجذور الحرة أو الـ free radicals”، والجذور الحرة دي ممكن تتلِف الحمض النووي بتاعه، وعشان يتغلب على المشكلة دي، ربنا سبحانه وتعالى جعل في جسمه مادة معينة بيتم إفرازها تحافظ على الحمض النووي بتاعه، والمواد دي بيبقى موجود معاها أجسام مضادة بتقدر تهاجم أي فيروسات وتحافظ على صِحة جسمه، وكنا إتكلمنا عن الموضوع ده بالتفصيل في حلقة اسمها (ليه الخفافيش بتحمل فيروسات كتير؟).
وفيه مفارقة غريبة برضه بتحصل مع “فأر الخلد naked-mole rat” في عالم القوارض، المفروض الفأر بيعيش لمدة بتصل لحد أقصى أربع سنوات فقط، فأر الخلد بقى بيقدر يعيش لأكتر من 31 سنة؛ والسبب في كده هو إنهم عندهم قدرة على تحمل انخفاض مستوى الأكسجين في بيئتهم، بيقدروا يعيشوا في بيئات الأكسجين فيها منخفض تمامًا، وبناءًا عليه الكائن ده بيقدر يقلل من توابع معدلات الأيض العالية بشكل أو بآخر، واللي بيها عمره بيزداد مقارنة بحجمه.

البيئة المحيطة

أخيرًا البيئة المُحيطة ممكن يكون ليها دور مؤثر في الموضوع، وده مثلاً زي بيئة أعماق البحار الأطلسية والقطبية الباردة، قروش (جرينلاند) مثلاً بتعيش لأكتر من 400 سنة، والمحار المحيطي المعروف باسم (كواهوج quahog) بيقدر يعيش لأكتر من 500 سنة، والأغرب من ده كله هو إن فيه نوع من الإسفنج اسمه “الإسفنج الزجاجي The antarctic glass sponge” موجود في القطب الجنوبي في أعماق المياه المتجمدة بيقدر يعيش لأكتر من 10 آلاف سنة، والإسفنج بالمناسبة حيوان مش نبات على عكس ما بعض الناس معتقدة.
الشاهد في القصة إن البيئات الباردة بتساهم في تباطؤ ضربات القلب ومعدلات الأيض، وبناءًا عليه تباطؤ عملية الشيخوخة، لكن طبعًا مش دي فقط كل الأسباب والموضوع مالهوش قاعدة ثابتة بنسبة 100% ممكن مخلوقات تتشابه في البيئة المحيطة وأعمارهم تختلف، الكلاب مثلاً واحدة من الكائنات المثيرة للجدل، الكلب الدانماركي الضخم واللي وزنه حوالي 70 كيلو جرام، متوسط عمره حوالي 7 سنوات فقط، في حين إن كلب (الشيواوا) واللي وزنه حوالي 4 كيلوجرام ممكن يعيش لأكتر من 20 سنة.
الموضوع غريب جدًا وبيدل على مدى التباين والإختلاف الموجودين في المملكة الحيوانية بوجه عام، وإن الموضوع مش متوقف على بيئة ولا حجم ولا حتى نوع، ولكن كل حيوان مُستقل بذاته، ليه سماته وظروفه اللي ربنا حباه بيها دونًا عن غيره من المخلوقات.