“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” .
ناس كتير عندها اعتقاد بأن فريضة الصيام هي حاجة مرتبطة بأمة النبي مُحمد صلى الله عليه وسلم فقط، لكن في الواقع الكلام ده غير دقيق.
المسلمين ما إنفردوش لوحدهم من بين سائر الأمم بفريضة الصيام، ومهواش تكليف قاصر عليهم لأول مرة دونًا عن غيرهم، ولكن ربنا سبحانه وتعالى كتبه أيضًا على الأمم السابقة، وحرفيًا من بداية الخلق ولحد وقتنا الحالي، والصيام بيُمارس بين الناس، الصيام، فريضة مُمتدة.
أهل الكتاب من اليهود والنصارى هما كمان عندهم صيام، هي هي نفس الفريضة ولكنها كانت مختلفة في هيئتها وصفاتها وعدد أيامها، والأغرب من كده إن الصيام ماتوقفش عند أصحاب الشرائع السماوية وبس، بل إن الديانات والمِلل التانية هما كمان عندهم صيام، وأصبح الصيام في النهاية بيُمارس عند كل الناس تقريبًا.

البداية

من المعروف في الأثر الإسلامي إن الصيام كان مفروض على الناس بدءًا من زمان سيدنا نوح عليه السلام – مرورًا بالأمم اللي خلفت الأرض من بعده – ولحد أمة النبي مُحمد صلى الله عليه وسلم، وكان مدة الصيام السائدة عند معظم الأمم هو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وفي كل عصر وزمان منهم كان بيختلف شكل الصيام وهيئته طبقًا لأوامر الله سبحانه وتعالى عن طريق الأنبياء اللي بُعثوا في الأمم دي، لكنه كان في العموم إمساك عن حاجة معينة، سواء كان طعام أو شراب أو شئ أخر.
الصيام عند المسلمين كما هو معروف، هو إمساك عن الطعام والشراب والشهوة الجنسية من طلوع الفجر، وحتى غروب الشمس.
عند اليهود القدماء بقى، الموضوع كان مختلف، الصوم شعيرة من شعائر الدين عند اليهود، ومنصوص عليه في التوراة، لكن اليهود القدماء كانوا بيصوموا يوم كامل – يعني من مساء اليوم ولحد مساء اليوم اللي بيليه، يعني تقريبًا 24 ساعة متواصلة من الصيام، وبالإضافة للإمتناع عن الطعام والشراب، كانوا بيعملوا ممارسات أخرى زي إنهم أثناء الصيام كانوا بيناموا على الحصا والتراب، كـ نوع من التقشف.
أما بخصوص مدة صيامهم وتوقيته، فكانوا بيصوموا اليوم العاشر من الشهر السابع، وده اللي معروف في الدين الإسلامي بأسم يوم عاشوراء، اليوم اللي الله سبحانه وتعالى نجى فيه موسى عليه السلام من بطش فرعون، واليهود المعاصرين بيصوموا خلال السنة حوالي 6 أيام فقط.

أيضًا من مظاهر الصيام في الأمم السابقة، هو صيام نبي الله داود عليه السلام، واللي معروف بإنه أحب الصيام إلى الله سبحانه وتعالى، سيدنا داود عليه السلام كان طوال حياته، بيصوم يوم ويفطر يوم، وده تم ذِكره نصًا في الحديث الصحيح عَنْ عبدِاللَّهِ بنِ عَمْرو بنِ العَاصِ، رَضيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “أَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُدَ، وَأَحبُّ الصيامِ إِلَى اللَّهِ صِيامُ دَاوُدَ، كانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْل وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ويَنَامُ سُدُسَهُ وَيصومُ يَومًا وَيُفطِرُ يَومًا” متفقٌ عليه.
الصيام أيضًا موجود عند الأخوة المسيحيين، إجمالي أيام الصيام اللي ممكن الشخص المسيحي يصومهم خلال السنة بيُقدروا بحوالي 267 يوم، لكن أهم الأيام دي عند عامة المسيحيين أيام الصوم الكبير واللي عددهم حوالي 55 يوم، وده بيكون صيام كامل عن الطعام والشراب، بيدوم من الساعة 12 بعد منتصف الليل ولحد الساعة 5 تقريبًا مع غروب شمس تاني يوم، ووقت الإفطار، بيفطروا على أطعمة غير حيوانية، وبيمتنعوا عن أكل اللحوم بكافة أنواعها وبيتجنبوا كمان أي منتج من منتجات الحيوانات زي البيض واللبن والجبنة والزبدة وخلافه، وبياكلوا أطعمة نباتية فقط؛ ونظرًا لطول فترة الصيام والممتدة لما يزيد عن نصف أيام السنة، فـ بياكلوا السمك في بعض الأصوام واللي بيُطلق عليها صوم من الدرجة التانية.
وموجود عندهم أيضًا صيام بيُطلق عليه (صيام الرُسل)، واللي بيعتبر من أقدم أنواع الصيام، وعندهم أيضًا أصوام أخرى، زي صوم العذراء وصوم نينوى، وغيرهم.

ده غير إن بني إسرائيل واللي هما أبناء يعقوب عليه السلام وذريته، وفي بدايات ظهور المسيحية كان فيه نوع معروف من الصيام ألا وهو الصيام عن الكلام أو صيام الصمت، وكان خلاله بيمتنع الشخص عن الكلام مع الناس تمامًا، وده ظهر في قصة السيدة مَريم عليها السلام في نص الآية الكريمة “فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا”.
وبالفعل كان من بني إسرائيل من صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام، وبعض أهل الكتاب كانوا بيمتنعوا عن الجلوس، وكانوا بيعتبروا ده نوع من الصوم، والبعض الأخر كان بيمتنع عن الظل، يعنوا كانوا بيفضلوا مُعرضين للشمس خلال فترات طويلة بدون ما يستظلوا، وده كان برده شكل من أشكال الصوم عندهم، والبعض كانوا بيصوموا لحد ما يُسمى بـ تشابك النجوم، يعني مش بيفطروا عند مغرب الشمس زي المسلمين، ولكنهم كانوا أثناء صيامهم بيفطروا لما يشوفوا النجوم بتظهر في السما.

أمم أخرى بخلاف أهل الكتاب

التاريخ بيُحدثنا بإن الصوم كان معروف عند الأمم السابقة، بما فيهم الوثنيين، والصوم كان ركن من أركان عاداتهم، ومن الأمم دي اليونان والرومانيون ووثنيين الهند، لكن قبل ما نتطرق في الحديث بخصوصهم خلينا الأول نبدأ من عند القدماء المصريين، لحد وقتنا الحالي مفيش دليل قاطع بيأكد إن المصريين القدماء كانوا بيصوموا، والموضوع عليه خلاف، وده على لسان عدد من علماء المصريات، منهم الدكتور زاهي حواس، لكن مازال في رأي أخر بيقول إن الصوم أو ما يُشابه الصوم، كان معروف عند قدماء المصريين، وكان واحد من الطقوس اللي مارسها المصريين القدماء بهدف التقرب من الآلهة ونيل رضاهم، وكذلك طلب الغفران ونيل البركات وتطهير النفوس من الذنوب والأخطاء، وكان في نوع من الصوم منتشر بين الكهنة فقط، ونوع أخر بيمارسه عامة الناس.
وكان بيُعتقد أيضًا إنه كان فيه صوم بيقوم بيه المصريين القدماء اسمه (إرضاء الأموات)، وكانت فكرة الصوم ده هو إن بعض أرواح الأموات على حد اعتقادهم بتكون محرومة من الطعام والشراب، فكانوا بيصوموا كـ نوع من أنواع المواساة والإرضاء للموتى.

الشاهد إن طقوس الصوم اللي عند المصريين القدماء، بيُقال إنها انتقلت من عندهم مباشرةً لحد اليونان، وهناك ظهر الصوم للمرة الأولى، والصيام في اليونان القديمة لأول وهلة كان بيهدف لتجهيز أجساد الرياضيين للتدريب البدني قبل الألعاب الأولمبية.
وكان الصيام بيُفرض أيضًا على النساء، وكان الإغريق بيعتبروه وسيلة لتنمية الذكاء وتعميق النظرة الداخلية للنفس، وبيُشاع عن الفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس إنه صام حوالي 40 يوم قبل ما يخوض بعض إمتحانات المدرسة اللي التحق بيها في فترة شبابه، ولاحظ في الوقت ده إنه طرأ عليه قوة جسدية وصفاء في الذهن بشكل مُلفت وملحوظ، وبدأ فيثاغورس يحكي عن تجربته مع الصيام لتلامذته فيما بعد.

ومن اليونان إنتقل الصوم للرومانيين، وأخيرًا انتشر الصوم في الحضارة الهندية بعد كده، واللي لسه مظاهر الصيام فيها مُتأصلها لحد وقتنا الحالي، وده زي طوائف البراهمة والبوذيين الموجودين في شبه الجزيرة الهندية، والصوم هناك في العادة مش واجب ولكنه عمل أخلاقي، بعضهم بيستزيد فيه حد الصرامة، والبعض الأخر بيتساهل فيه بدرجة كبيرة، يعني في بعض الحالات، الصيام بيكون عبارة عن إن الشخص يستغنى عن وجبة واحدة فقط من وجبات الطعام في يومه ويكتفي بـ وجبتين، والبعض بينتقل من أكل اللحوم لـ الأطباق النباتية والقمح والشعير وخلافه، وأحد طقوس الصوم الصارمة المنتشرة هناك عند بعض الطوائف، هو الامتناع عن تناول أي شئ وحتى ابتلاع الريق، لمدة تصل لـ أربع وعشرين ساعة، وممكن يمتد الصيام على الطريقة دي لفترة زمنية تتعدى الثلاثة أيام، وخلال الفترة دي مش بيتناولوا غير فقط بعض رشفات من الشاي.
ومن مظاهر الصيام في العقيدة البوذية، إنهم كانوا بيصوموا أربع أيام في بداية كل شهر قمري بدون ماء ولا طعام إطلاقًا، وصيامهم بيشمل الامتناع عن العمل بالإضافة للامتناع عن الطعام والشراب.

إستحسان صيام الإسلام

وفي النهاية معظم الوثنيين كانوا بيصومون لتسكين غضب آلهتهم، وكانوا بيعتقدون إن إِرضاء الْآلهة والتزَلف ليها بيكون من خلال تعذيب النفس وإماتَة حظوظ الجسد، وانتشر الاعتقاد ده عند بعض أهل الكتاب فيما بعد، لحد ما جاء الإسلام علشان يعَلِّم الناس إن الصيام فرض لأنه بيُعد النفس علشان تظفر بالتقوى، وإن ربنا سبحانه وتعالى غَنِي عنا وعن عملنا، وما كتب علينا الصيام إِلا لمنفعتنا وأحتياجنا إليه.
وأخيرًا، الصيام بشكله في الحالي في الدين الإسلامي، يعتبر الصورة الأمثل من الصيام المُعتدل على مر جميع العصور، وده سواء عند أهل الكتاب أو الوثنيين، وده طبعًا لا ينقص من صيام الأنبياء السابقين شئ، قال سبحانه وتعالى “لكلٍ جعلنا منكم شرعًة ومنهاجًا”، فصلوات ربي وسلامه عليهم جميعًا دينهم واحد وشرائعهم شتى.