مدينة مصر المحروسة بلد الألف مئذنة، قاهرة المُعز، كلها ألقاب للقاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية، والحقيقة القاهرة بالرغم من كونها أحد أقدم وأشهر العواصم على الإطلاق، وبتحوي بين ثناياها على عدد ضخم من الآثار لحضارات وإمبراطوريات عديدة، إلا إنها مكنتش العاصمة الوحيدة لمصر على مر العصور، العاصمة المصرية اتغيرت لمرات عديدة لدرجة إن عدد العواصم المصرية بيصلوا لحوالي 21 عاصمة على مر التاريخ، منها عواصم استمرت لسنوات معدودة، وعواصم تانية استمرت لآلاف السنين، ومنهم عواصم معروفة للناس، وعواصم تانية اتنست واندثرت تمامًا.

فترة الملك مينا

ناس كتير بتعتقد إن (منف) هي أول عاصمة مصرية على الإطلاق، لكن الحقيقة الكلام ده غير صحيح، قبل ظهور الملك (مينا نارمر) موحد القطرين، كان فيه عاصمة لمصر بالفعل والعاصمة دي كان اسمها (الطيّنَة) وكانت قائمة في الفترة بين عامي 2950 لـ 2892 قبل الميلاد، ومن المدهش إن المدينة دي مازالت موجودة لحد وقتنا الحالي وتحديدًا في مُحافظة سوهاج المصرية داخل مركز (جرجا)، ولكنها بتحمل اسم تاني ألا وهو قرية (البربا)، و(بربا) هو اسم فرعوني منقسم لـ شقين، الشق الأول اللي هو (بَر) وده معناها بيت أما (با) فده معناه (الروح)؛ عشان تصبح الكلمة في النهاية معناها (بيت الروح)، ومن المعلومات اللطيفة إن مدينة (بربا) دي كانت أصلًا مسقط رأس الملك مينا نارمر موحد القطرين، واللي نشأ فيها في سنوات حياته الأولى.
بعد مرور السنين، وبعد وصول الملك (مينا) للحكم وبدأ في توحيد مملكة الشمال ومملكة الجنوب مع بعض، قرر إنه ينقل العاصمة من مسقط رأسه لـ مكان تاني يكون عند رأس الدلتا وده عشان يكون موقعها وسط بين المملكتين، وفي الوقت ده، تم إختيار مدينة (منف) عشان تكون عاصمة مصر بعد توحدها، وظلت عاصمة لمصر إبتداءًا من عهد الأسرة الأولى في عام 2895 ولحد عهد الأسرة التامنة في عام 2360 قبل الميلاد.
و(منف) موقعها الحالي في قرية (ميت رهينة) التابعة لـ مركز (البدراشين) بمحافظة الجيزة.

ما بعد مينا

بعد عهد الأسرة التامنة في مصر القديمة، قامت ثورة ضد الأرستقراطية والطبقة العليا المستبدة واللي كان بإيدهم زمام الأمور، ومدن الوجه البحري في مصر وقتها كانت هي أكثر المدن إشتعالا؛ وعشان كده نقلوا البلاط الملكي من (منف) لـ مدينة (حت – نن – نسو)، واللي كانت بتعني “مقر الطفل الملك”، واللي في العصر الروماني أصبح اسمها (إهنس)، وإتحرفت للعربية تحت مسمى (إهناسيا)؛ عشان تصبح (إهناسيا) تالت عاصمة مصرية.
وإستمرت في الفترة خلال حكمي الأسرتين التاسعة والعاشرة من عام 2360 حتى عام 2160 قبل الميلاد، وبتقع (إهناسيا) حاليًا في مدينة بني سويف الواقعة في محافظة بني سويف واللي بتحمل نفس الاسم.

من عهد الأسرة الـ 11 ولحد الأسرة الـ 13 وفي الفترة بين عامي 2160 ولحد 1715 قبل الميلاد، كانت عاصمة مصر هي (طيبة)، واللي كان اسمها الفرعوني (تا – إبت) واللي بتعني المكان المقدس، والإغريق حرفوا اسمها لـ (تيباي) لحد ما العرب فيما بعد أطلقوا عليها لفظة (طيبة) وموقعها الحالي في مدينة الأقصر.

بعد كده وخلال عهد الأسرة الـ 14 من عام 1715 لـ عام 1660 قبل الميلاد إتغيرت العاصمة مؤقتًا من طيبة لـ (خاسوت)، واللي اسمها إتحرفت فيما بعد لـ (سخا)، و(سخا) هي منطقة حاليًا موجودة في جنوب مدينة كفر الشيخ بـ محافظة كفر الشيخ اللي بتحمل نفس الاسم.

أثناء إحتلال الهكسوس لـ مصر وإبتداءًا من عهد الأسرة الـ 15 ولحد الأسرة الـ 16 من عام 1660 ولحد عام 1580 قبل الميلاد تم تغير العاصمة لـ (أواريس) واللي كانت معروفة وقتها باسم (بر – إمن)، واللي بتعني بيت الإله آمون.
اليونانيين كانوا بيطلقوا على المنطقة اسم (بلوزيوم) واللي إتحرفت فيما بعد لـ (بيلوز) لحد ماوصل الاسم لـ لفظة (بالوظة)، والمدينة بالفعل بتقع حالياً في قرية بالوظة، في محافظة شمال سيناء.

في عهد الأسرة الـ 17 من عام 1580 قبل الميلاد، قدر الملك أحمس إنه يطرد الهكسوس من مصر، وفي الوقت ده تم إعادة العاصمة (طيبة) مرة تانية، وخلال حكم الأسرة الـ 18 بنى الملك (إخناتون) عاصمة جديدة لـ مصر تحت مسمى (أخيتاتون) والمعروفة باسم (تل العمارنة)؛ وده كان بسبب تخليه عن تعددية الألهة في مصر القديمة، وإدخال عقيدة جديدة معتمدة على التوحيد نوعًا ما، واللي كان بيرمز له وقتها بـ قرص الشمس أو (آتون).
والمدينة مكانها الحالي موجود في منطقة تل بنى عمران، مركز دير مواس – محافظة المنيا، لكن كهنة أمون نظرًا لـ نفوذهم قدروا إنهم يقضوا على دعوة (إخناتون) تمامًا ورجعوا العاصمة لـ (طيبة) مرة تانية، وظلت طيبة بعدها العاصمة القائمة لمصر، وده بعد الأسرة الـ 18 مرورًا بالأسرة الـ 19 وأخيرًا لحد الأسرة الـ 20.

ما بعد طيبة

في المرحلة الأخيرة من عمر العاصمة (طيبة)، تم نهب المدينة وسرقتها بواسطة عدد من الغزاة، منهم جنود آشور، ومن بعدهم، بيقال إن فيه ملك من الفرس بيدعى (قمبيز) قدر يحتلها وينقل كل الدهب والعاج والأحجار الكريمة الموجودين فيها لـ بلاد العجم؛ عشان تتحول طيبة من أفخر مدن الفراعنة لـ شبح خاوي مش بيحتوي على أي مظهر من مظاهر التمدن والعمران.
الأسرة الـ 21 قرروا إنهم ينقلوا العاصمة لمدينة (صان الحجر)، واللي كانت معروفة في النصوص المصرية باسم (جعن) أو (سبات – محت)، وكان غرض ملوك الأسرة الـ 21 إنهم يعيدوا بناء العاصمة في مكان جديد، وفي نفس الوقت يسيطروا على الأماكن القريبة من البحر الأبيض المتوسط، لكن اسم المدينة اتحرف لكلمة (صان)، وتم إضافة كلمة (الحجر) ليها كـ إشارة للكم الكبير من الحجارة المتبقية من أثار المدينة.
وموقع المدينة حاليًا بيقع في صان الحجر – مركز الحسينية – محافظة الشرقية.

في عهد الأسرة الـ 22 والـ 23 من عام 945 لـ 730 قبل الميلاد، تم نقل العاصمة مرة تانية في مكان أخر داخل حيز محافظة الشرقية الحالي، ألا وهو مدينة (الزقازيق)، وكان موقع المكان وقتها بيطلق عليه بالفرعوني (باست) أو (بر – باستت)، واللي كان معناها سكن الإله باستت، الكلمة إتحرفت في اللغة العربية لـ كلمة (بسطة) وتم إضافة ليها كلمة (تل)؛ عشان تصبح في النهاية (تل بسطة)، المنطقة السياحية المعروفة في مدينة الزقازيق.

في عهد الأسرة الـ 24 ومن عام 730 لـ 716 قبل الميلاد، إتنقلت العاصمة لـ مدينة اسمها (ساو)، واللي إتحرفت فيما بعد لـ (صَا) أو (صَا الحجر)، والمكان ده موجود حاليًا في قرية صا الحجر بمركز بسيون – محافظة الغربية.

وفي عهد الأسرة الـ 25، مرت البلاد بعصور ضعف وعشان كده قدرت أسرة حبشية إنها تستولي على حكم مصر، ونقلوا العاصمة من (صا الحجر) لمدينة (ناباتا النوبية)، والموجودة حاليًا في منطقة (سفح جبل بركة) في السودان، لكن مع زيادة نفوذ الأسر المصرية، وتحديدًا الأسر الـ 26 قدروا إنهم يستعيدوا الحكم مرة تانية، ورجعوا العاصمة تاني من مدينة (ناباتا النوبية) لـ مدينة (صا الحجر) في الغربية مرة تانية، وده كان في الفترة من عام 663 لعام 525 قبل الميلاد، وإستمرت في كونها العاصمة لحد عهد الأسرة الـ 28، وتحديدًا من عام 404 لـ 398 قبل الميلاد.
وإشتهرت العاصمة دي في عصرها بكونها بتحتوي على مدرسة فريدة من نوعها لتدريب الأطباء، واللي كان بيتم إرسالهم للعمل في جميع أنحاء مصر، وكذلك كانت العاصمة بتحتوي على مصانع ضخمة لـ نسج الكتان، وفضل الحال لحد الأسرة الـ 29 واللي نقلوا العاصمة لمدينة جديدة داخل حيز محافظة الدقهلية حاليًا، كانت معروفة وقتها باسم (منديس)، وبعدها وفي عهد الأسرة الـ 30 قرروا إنهم يرجعوا العاصمة لـ حيز محافظة الغربية حاليًا، ولكن في مدينة جديدة ألا وهي (سمنود)، واللي كانت معروفة وقتها باسم (ثب – نتر) واللي كانت بتعني الأرض المقدسة.

حقبة جديدة

في نهاية حكم الأسرة الـ 30 حصل حدث مؤثر جدًا في تاريخ مصر، ألا وهو إحتلال الفرس للبلاد مرة تانية لحوالي 9 سنوات، والأمر ده إستدعى إن الإسكندر المقدوني والمعروف باسم (الإسكندر الأكبر) قرر يستغل الفرصة ويدخل يستعمر مصر بـ حجة إنه يخلصهم من الحكم الفارسي المستبد واللي كان بيسيء معاملة المصريين، وبالفعل المصريين إستقبلوه بالحفاوة والترحاب، وعشان يثبتلهم إنه مش غازي زي الفرس، قرر إنه يزور معبد آمون واللي ليه مكانه خاصة عند المصريين، ويقدمله بعض القرابين، لكن أثناء توجهه للمعبد، مَر على مكان ساحلي بيعيش فيه مجموعة من الصيادين، كان معروف وقتها باسم (راكتوس) أو (راقودة)، وأعجب بالمكان جدًا، وقرر إنه يبني مدينة في المكان بتحمل اسمه، عشان تكون حلقة الوصل بين مصر واليونان وفي الوقت ده، ظهرت مدينة (الإسكندرية) لأول مرة في التاريخ.
وبالفعل، واللي مايعرفهوش عدد كبير من الناس، إن مدينة (الإسكندرية) كانت عاصمة لمصر لـ حوالي ألف سنة، وده من بعد الإسكندر الأكبر وفي فترة حكم البطالمة والرومان، ولحد الفتح الإسلامي لـ مصر في عام 641 من الميلاد والموافق 20 من الهجرة.

مع فتح العرب لـ مصر قدر سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه، إنه يخلص المصريين من الإمبراطورية البيزنطية، واللي طبقًا للرواية الإسلامية والمسيحية على حد سواء، كانوا بيستعبدوا المصريين وبيسيئوا معاملتهم، وكانوا بيضطهدوا مسيحي مصر بشكل كبير، وده نظرًا لإختلافهم معاهم في العقيدة، وكانوا بيحاولوا يفرضوا المذهب ده بالقوة على رعاياهم، بما فيهم المصريين.
وده اللي خلى المصريين ينفروا من الحكم الروماني وفضلوا الهيمنة الإسلامية وده لإنها ضمنت ليهم حرية العقيدة، ومع الوقت إختار سيدنا عمرو بن العاص موقع إستراتيجي عند تفرع نهر النيل، وبالقرب من حصن بابليون، وجعله العاصمة الإسلامية للبلاد والمكان ده كان مدينة (الفسطاط).
وفي وسط المدينة أقام مسجده العتيق واللي بيحمل اسمه لحد النهارده، وفضلت مدينة الفسطاط عاصمة لمصر من بعد الفتح الإسلامي لحوالي قرن كامل من الزمان، وتحديدًا لحد نهاية دولة بني أمية.

في عصر الدولة العباسية، أسس العباسيين مركز لدولتهم وعاصمة لمصر في الشمال الشرقي من الفسطاط، وأطلقوا عليها اسم (العسكر)، لكن مع مرور الوقت إتصلت العسكر بالفسطاط وأصبحوا هم الإتنين مدينة واحدة كبيرة.
بعد كده في عصر الدولة الطولونية، أسس أحمد بن طولون مدينة (القطائع) عشان تصبح العاصمة الجديدة في مصر، وبنى فيها مسجده الشهير واللي يعتبر أحد أكبر وأجمل المساجد في العالم الإسلامي كله.
وأخيرًا لما خضعت مصر للحكم الفاطمي، أعاد الفاطميين العاصمة المصرية للفسطاط مرة تانية، وده في الفترة من عام 905 ولحد عام 969 من الميلاد.

القاهرة

في عام 969 من الميلاد، أسس القائد (جوهر الصقلي) مدينة القاهرة، بأمر من الخليفة المُعز لدين الله الفاطمي، وبنى حواليها سور مربع بمساحة 340 فدان، وأقام في منتصفها قصر كبير بلغت مساحته حوالي 70 فدان، وكانت المدينة لحظة إنشاءها بتحمل لقب (المنصورية)، لكن لما وصل الخليفة المُعز لدين الله إلى مصر ودخل المدينة أسماها القاهرة.
وبدأت المدينة تتسع مع مرور الوقت، وإتصلت مبانيها بمباني المدن الإسلامي الثلاثة السابقة (الفسطاط والعسكر والقطائع)، وأصبحت أحد أكبر المدن الإسلامية في العصور الوسطى، وأكثرهم إتساعًا، وأصبحت القاهرة من أهم مراكز العلم والثقافة في وقتها، وظهر فيها دار الحكم وجامع وجامعة الأزهر، وتزعمت القاهرة قيادة العالم الإسلامي في عصر القائد الفاتح (صلاح الدين الأيوبي).
وظلت المدينة شاهد أصيل على حضارات عِدة وبتحمل في كل مكان أثر لعصر من عصور التاريخ.