أي دولة في العالم بيكون ليها رمز أو شعار خاص بيها، وطبعًا الشعار ده مابيكونش من فراغ، بيكون في سبب معين ورا وضع الشعار ده بالتحديد، وبناءًا عليه الطائر الموجود على علم مصر مش موجود بالصدفة، ولكنه له قصة وحكاية بيعود تاريخها لـ مئات إن لم يكن آلاف السنين، ومش هنكون بنبالغ لو قولنا إن الطائر ده بالتحديد مرتبط بالمصريين إبتداءًا من أيام المصريين القدماء مرورًا بالعصور اللي جت من بعدهم ولحد وقتنا الحالي.

عُقاب وليس نسر

في البداية كده وبسم الله الرحمن الرحيم في الموضوع، خليني أصدمك وأقولك إن الطائر اللي موجود على علم مصر مش نسر، ولكنه أحد أنواع الطيور الجارحة اللي بيطلق عليها أسم (العُقاب)، وخليني في البداية كده أشرحلك مفهوم خاطئ منتشر عند عدد كبير من الناس، يا ترى إيه معلوماتك عن النسور؟
هتقول النسور كائنات جميلة جدًا بتتميز بالعزة والشموخ، وبتهاجم الفرائس بتاعتها بكل شراسة، وغالبًا مش بتاكل غير من الصيد بتاعها كنوع من الكبرياء، وتعتبر من أقوى الطيور على الإطلاق.
كل الوصف السابق اللي إنت قولته ده واللي للأسف منتشر عند عدد كبير من الناس غير صحيح تمامًا، وفي الحقيقة الكائن اللي بتنطبق عليه المواصفات السابقة دي ما إسمهوش نسر، ولكن إسمه (طائر العُقاب)؛ لأن النسر أصلاً لا شجاع ولا نيلة، ومش بياكل من صيده، وتقريبًا ما بيصطادش أصلاً.

النسر مش بياكل غير الحيوانات الميتة فقط اللي هي بين قوسين كده (الجيفة)، وما عندهوش حوافر حادة، ورقبته طويلة، وأصلع، وعشان أسهل الدنيا عليك وما تتلغبطش، ركز معايا براحة، إسرح بخيالك كده في أفلام الكارتون اللي كنت بتشوفها وإنت صغير، أو بتشوفها وأنت كبير، المهم إن أفلام الكارتون وبعض وثائقيات السينما، دايمًا بيجيبوا مشهد شهير جدًا، في الصحراء الجرداء، عبارة عن حيوان أو حتى إنسان بيكون بيلفظ في أنفاسُه الأخيرة، وعلى مشارف الموت، وفي نفس اللحظة بيكون في مجموعة من الطيور اللي لونها أسود كده، بتطير حواليه فوق في السما في حلقات أو دواير، وبتبقى مستنية الكائن اللي تحت ده يموت عشان بمجرد ما بيموت، بتنزل الطيور دي على الأرض وتبدأ تتغذى عليه وتاكله، أكيد المشهد ده عدى عليك مرة قبل كده.
المهم دلوقتي بقى، عاوزك تفتكر معايا شكل الطائر اللي كان بيدور في حلقات ده، بتلاقيه لونه أسود ورقبته طويلة وأصلع خالص، وممكن يكون فيه شبه من النعامة شوية بس بيطير، أهو الكائن ده بقى يا سيدي هو النسر.

وعلى النقيض بَقى تمامًا، فيه طائر تاني ليه هيبة كده، ومنقاره حاد، ورأسه مُغطاه بالشعر، وعنده مخالب قوية، زي الطائر اللي في الصورة قدامك ده كده، الطائر ده بقى يا سيدي إسمه عُقاب، وله حلقة بالتفصيل “العقاب | سيد الجو“، ولو عن النسور بالتفصيل “النسر | بطل الطبيعة الغير تقليدي“.

سـبب الـمُعـضِلة

طيب يا ترى اللغطبة دي حصلت ليه، أو إيه السبب فيها؟، الحقيقة السبب في الموضوع ده هو إن معظم القواميس لما بتيجي تترجم كلمة (Eagle) بتترجمها ترجمة حرفية بأنها (نسر) مع إن الكلام ده غير صحيح بالمرة، وللأسف معظم القواميس بتطلق عليها كلمة نسر إصطلاحًا كده وخلاص، والمواقع العربية لما بتنقل من المصادر الأجنبية، بتطلق على (العُقاب) نسر، مع إن ده طائر، وده طائر تاني خالص.
طيب أومال كلمة نسر بالإنجليزي معناها إيه؟، كلمة نسر بالإنجليزي معناها (Vulture)، أها، يعني أفهم من كلامك إن الطائر الجميل اللي دايمًا بنشوفه في الصور والوثائقيات اللي كنا بنقول عليه نسر يعتبر مش نسر ولا حاجة، ولكن إسمه عقاب؟ والنسر ده طائر تاني خالص، أصلع ورقبته طويلة، وخواف؟
أيوة بالظبط كده، وعشان تفهم الموضوع أكتر، كل اللي عليك إنك تكتب كلمة Eagle وكلمة Vulture في جوجل وشوف النتايج اللي هتظهرلك، وإتفرج على صورهم، وبعد كده إوعى تقول على العُقاب نسر، وعلى النسر عُقاب.

سبب وضع الطائر على العلم

أما بقى عن سبب وضع الطائر ده بالتحديد على العلم، فـ دي قصة تانية خالص، الناس قديمًا على مختلف العصور كانوا بيحبوا طائر العُقاب جدًا.
طائر العُقاب منتشر في جميع قارات العالم تقريبًا، وفيه أنواع منه كانوا بيسكنوا بكثرة في إفريقيا، وبالتحديد في مصر وباقي دول شمال إفريقيا، وحب الناس للطائر ده تحديدًا، نظرًا لشموخه وشجاعته وقوته وإصراره، الطائر ده حرفيًا بيهاجم أي حاجة، بيهاجم الخفافيش والزواحف والقوارض والأسماك والأفاعي وبعض الثديات الصغيرة، ونظره حاد جدًا، وقبضته غاية في القوة، وبيقدر ينافس جميع الطيور، زي الصقور مثلاً، ولما الصقر بيشوف عُقاب بيهرب منه.
الأسباب السابقة دي كلها كانت سبب كبير في حب الناس ليه، بل إن العرب زمان كانوا بيسموا أولادهم (عقاب) كنوع من الفخر .
وخليني أقولك حاجة أكثر غرابة من كده، القدماء المصريين كان في عندهم لغة كده إسمها (الهيروغليفية)، اللغة دي كانت عبارة عن مجموعة من الرموز، واخد بالك منها؟، الرموز دي بقى كان فيهم طائر كده شبه الصقر، عارفه؟، أهو الطائر ده يا سيدي عُقاب؛ وده لأن الفراعنة كانوا بيقدسوه جدًا، وبيعتبروه أحد الآله.
اللي يهمنا بقى من الكلام ده كله، إن نظرًا لـ شموخ العُقاب، كان القائد الفاتح صلاح الدين الأيوبي مُتخذه شعار له وللجيوش بتاعته، والشعار ده تحديدًا كان أشبه بالصورة دي:

ومع مرور الوقت ومع ظهور الدولة الأيوبية في مصر، إنتقل الشعار في مصر بالتابعية، وكان الشعار ده منقوش على جدران القلعة بتاعته، لكن من بعد إنتهاء الدولة الأيوبية، الشعار ده إختفى تمامًا لمئات السنين.

وبدأ العلم المصري ينتقل بين عِدة صور وأشكال، معظمهم كانوا بيحتووا على أهلة ونجوم، وكان أشهرهم على الإطلاق هو العلم الأخضر اللي بيحتوي على هلال وتلات نجوم، واللي ظهر في عهد المملكة المصرية إبتداءًا من عام 1923 م، وكان معروف وقتها بأسم العلم الأهلي، وكان اللون الأخضر في العلم بيرمز لـ خضرة وادى النيل والدلتا، وبيرمز كذلك للدين الإسلامي، واللي كان بيدين بيه أغلبية المصريين وقتها، والنجوم التلاتة كانت بتشير للأجزاء التلاتة اللي كانت بتتكون منها المملكة المصرية وقتها، وهم (مصر- والنوبة – والسودان)، وفي نفس الوقت، بتشير للديانات التلاتة اللي كانوا موجودين في مصر.

لحد هنا والدنيا تمام، مرت الأيام وجت اللحظة اللي تم إعلان مصر فيها جمهورية، وفي الوقت ده قرروا إنهم يعيدوا استخدام عُقاب صلاح الدين الأيوبي مرة تانية، لكنهم أجروا عليه تعديل بسيط، والتعديل ده هو إنهم أضافوا العلم الأهلي اللي بيتكون من هلال وتلات نجوم، جوا العقاب، وخلو الخلفية تلات ألوان، أحمر وأبيض وأسود، حاجة كده زي الصورة دي بالظبط، وبقى إسمه (علم التحرير).

مع حلول عام 1958 بقى، مصر بقت جمهورية عربية متحدة؛ وده بسبب إتحادها مع سوريا وهنا إتغير العلم تاني، وإتشال العُقاب خالص، وإتحط مكانه نجمتين لونهم أخضر.

وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وتولي الرئيس السادات، حصل إتحاد بين مصر وسوريا وليبيا، وفي الوقت ده، تم إستبدال النجمتين وإتحط مكانهم صقر، وأصبح هو الشعار وختم الدولة، وبالمناسبة ده كان نفس العلم اللي خاضت بيه مصر حرب أكتوبر 73؛ وعشان كده العلم ده تحديدًا محبب عند عدد كبير من المصريين.

بعد رحيل الرئيس السادات تم إستبدال الصقر اللي بيتوسط العلم، بـ عُقاب صلاح الدين الأيوبي مرة تانية، وده تحديدًا إبتداءًا من عام 1984 م؛ عشان يصبح شكل علم مصر خط أحمر وخط أبيض وخط أسود، وبيتوسطهم عُقاب ذهبي، والعلم ده هو شعار جمهورية مصر العربية لحد وقتنا الحالي.

ومن الجدير بالذكر إن فلسطـين وسوريا والعراق واليمن، بيتخذوا العُقاب برده شعار ليهم، سواء في أعلامهم أو كـ رمز قديم للدولة، والموضوع مش متوقف على مصر بس، بل إن ختم الولايات المتحدة الأمريكية عبارة عن عُقاب أبيض الرأس.

وأيوة الطائر ده والمعروف بأسم النسر الأصلع ماهواش برده نسر ولا حاجة، ولكن إسمه العُقاب الأصلع.