في شهر أغسطس مِن سنة 1945 وفي عز ما العالم كان بيحتفل بنهاية الحرب العالمية الثانية اكتشفت القوات البحرية الأمريكية اكتشاف غريب، في المحيط الهادي أو بالقرب من جزيرة “هونشاو Honshu” أكبر الجزر اليابانية، كان فيه مدمرتين تابعين للقوات البحرية الأمريكية بيعملوا عملية استطلاع وأثناء العملية اكتشف الجنود الأمريكان غواصة تابعة للأسطول الياباني، واللي خَلى الغواصة دي اكتشاف غريب هو حجمها الهائل وتصميمها المختلف، الغواصة دي كانت أكبر من أكبر غواصة أمريكية في الوقت ده بمقدار 60%، طولها كان 122 متر تقريبًا وعرضها يقترب من 12 متر، وبعيدًا عن الأبعاد الهائلة دي واللي خلت الجنود الأمريكان في حالة ذهول، كان تصميم الغواصة في منتهى الغرابة، الغواصة دي كانت بتمتلك مخزن عملاق طوله كان 35 متر وعرضه 3 أمتار، وكان مُصمم بطريقة تخلية معزول تمامًا عن المياه.
والحكاية دي كانت مُحيرة للكل وقتها حتى إن بعضهم فكر إنها غواصة بيستخدمها الجيش الياباني في نقل البضائع، بس تاني يوم وبعد إكتشاف غواصة تانية مُطابقة للغواصة الأولى كان جنود البحرية الأمريكية على أعتاب كَشف سلاح سري كان بإمكانه قلب نتيجة الحرب العالمية التانية رأسًا على عَقب.

بداية الفكرة

في الساعة الثامنة صباحًا من يوم 7 ديسمبر سنة 1941 شنت طائرات الجيش الياباني هجوم على “مرفأ بيرل pearl harbor” بالقرب من “هونولولو Honolulu” في “هاواي Hawaii”، مئات من الطائرات اليابانية هجموا على المرفأ وسببوا للجيش الأمريكي خسائر فادحة دمرت الطائرات اليابانية حوالي 20 قطعة بحرية حربية للأسطول الأمريكي بالإضافة لأكتر من 300 طائرة، وخسائر بشرية تخطت 2400 جندي ومدني.
بعدها طلب الرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt” من الكونجرس الأمريكي السماح بإعلان الحرب على الإمبراطورية اليابانية، والمُفارقة هنا إن الهجوم على “مرفأ بيرل pearl harbor” كان الغرض منه عكس كدا تمامًا، اليابان قبل الهجوم كانت بتقوم بحملة توسعية كبيرة في آسيا، ومع تزايد نفوذ اليابان وتهديدها لمصالح الولايات المتحدة في آسيا كان قرار أمريكا بإعلان الحرب مسألة وقت مش أكتر.
وعشان كده فكر الأدميرال “ياماموتو Yamamoto” في طريقة تبعد اليابان عن الحرب الشاملة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والطريقة دي كانت الهجوم على مرفأ بيرل، وكان هدفه هو تدمير أكبر عدد من القوات البحرية الأمريكية في ضربة واحدة، والنتائج اللي كان بيتمنى ياماموتو إنها تحصل، هي جلوس أمريكا على طاولة المفاوضات أوعلى أقل تقدير إبعاد الأسطول الأمريكي عن خوض الحرب في المحيط الهادئ لمدة ستة أشهر، بس بالطبع اللي حصل كان عكس كدا تمامًا وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على اليابان بعد يوم واحد من الهجوم.

حمل طائرات حربية

وبعدها بدأ الأدميرال “ياماموتوYamamoto” في البحث عن الخطة البديلة، فكر في إن اليابان لو انتظرت الهجوم الأمريكي على أراضيها وحاولت إيجاد طرق لصد الهجوم ده، الجيش اليابان هيتعرض لهزيمة ساحقة، فكانت خطته المرة دي هي التسلل لساحل أمريكا والهجوم على المدن الأمريكية نفسها، وصناعة الغواصة حاملة الطائرات “I-400” كانت ركيزة الخطة الأساسية.
وبعد شهر تقريبًا من الهجوم، كانت فيه مهمة جديدة قصاد المهندسين اليابانيين، المهمة كانت بإختصار تصميم غواصة بقدرات خاصة جدًا، أول القدرات دي هتكون حمل طائرات حربية والقدرة على إطلاقها من الغواصة نفسها، كمان الغواصة دي لازم تكون قادرة على السفر لآلاَف الكيلومترات بدون الحاجة لإعادة تعبئة الوقود، وكان من المقرر صناعة أسطول مكون من 18 غواصة من الغواصات دي كل غواصة فيهم قادرة على حمل 3 طائرات حربية مقاتلة، وبالفعل نجح المهندسين اليابانيين في تصميم الغواصة وبدأت عملية التصنيع في شهر مارس سنة 1943.
في الفترة اللي كانت تسبق تصنيع الغواصة، كانت اليابان في موقف لا تُحسد عليه، خسارة الأسطول الياباني في معركة “ميد واي Midway” في شهر يونيو عام 1942، دمرت معنويات الجنود اليابان، بالإضافة إلى موارد اليابان اللي كانت قليلة جدًا في الوقت ده، فأصبحت كل ثانية بتعدي على اليابان بدون تطوير في بناء الغواصة هي بمثابة تأكيد للهزيمة، وقلة الموارد أثناء عملية التصنيع أجبرت الجيش الياباني على تعديل خطته وتقرر تخفيض عدد الغواصات المَطلوب تصنيعها من 18 غواصة إلى 11 غواصة، لكن بعدها قلت الموارد أكتر وأجبرت القادة على إصدار أوامر بتصنيع 5 غواصات فقط، وفي النهاية وبرغم كل الصعوبات اكتمل تصنيع أول غواصة يوم 30 ديسمبر سنة 1943.

غواصة خارقة

الغواصة العملاقة دي كانت فعلًا سلاح استثنائي بقدرات خارقة، الغواصة كانت تقدر تدور حوالين الكرة الأرضية مرة ونص قبل احتياجها لإعادة ملئ خزانات وقودها مرة تانية، وكانت طبعًا بتمتلك مخزن عملاق معزول عن المياه للاحتفاظ بالطائرات، ده غير وسائل الدفاع اللي بتخليها من أقوى الغواصات الحربية في وقتها.
فمع وجود 8 أنابيب لإطلاق الطوربيدات في مقدمة الغواصة، كانت الغواصة جاهزة للرد على أي هجوم من غواصة تانية، أما بالنسبة لسطح الغواصة فهو كان بيحتوي على ترسانة أسلحة بمعني الكلمة.
على سطح الغواصة كان بيستقر مدفع رشاش من عيار 14 سم، والمدفع كان بيمتلك قوة جبارة، المدفع كان قادر على إطلاق من 6 لـ 10 آلاف قذيفة في الدقيقة الواحدة ده غير إنه كان قادر على التحرك في جميع الجهات، وكان السطح بيحتوي على ثلاثة مدافع من نوع 96 واللي كانت بتمتلك ثلاث فوهات لإطلاق القذائف المضادة للطائرات، بالإضافة لمدفع بفوهة واحدة بيستقر أعلى غرفة قيادة الغواصة.
وأخيرًا الغواصة بالكامل كانت مطلية بطلاء مطاطي علشان ميتمش رصدها من أجهزة السونار الخاصة بالقوات البحرية المعادية، ومع وجود الأنظمة الدفاعية دي كلها كانت الغواصة مُحصنه بشكل كامل من هجمات العدو.

إطلاق الطائرات

لكن السؤال المهم اللي بيطرح نفسه هنا، إزاي هيتم تخزين طائرات حربية في مخزن داخل غواصة لا يتعدي عرضه 3 متر فقط، والأهم من كده إزاي هيتم إطلاق الطائرات دي من على سطح الغواصة؟
تخزين الطائرات داخل مخزن الغواصة كانت المهمة الأهم، هدف بناء الغواصة كان قيام الطائرات بضرب أهداف إستراتيجية في عمق الولايات المتحدة الأمريكية، فكان على المهندسين اليابانيين إيجاد حل لمشكلة تخزين الطائرات، والحل كان عبارة عن تصميم طائرة جديدة كليًا.
(أشي أم 6 أي سيريان Aichi M6A Seiran) هي طائرة مزودة بجناحين قابلين للطي صممها اليابانيين خصيصًا لحل مشكلة تخزين الطائرات داخل الغواصة، بالإضافة أنها بتحتوي على طوافات تساعدها في الهبوط على المياه.
أما عن إمكانية إقلاع الطائرة من على سطح الغواصة فهي كانت الجزء الأسهل، صمم المهندسين اليابانيين مِقلاع وتقدر تقول منجنيق عملاق لحل المشكلة دي، المنجنيق اللي بطول 26 متر كان بيستخدم الهواء المضغوط كوسيلة لقوة الدفع، وبإستخدام المنجنيق ده كانت الطائرات تقدر تكتسب قوة الدفع اللازمة لعملية الإقلاع من على سطح الغواصة، وبعد ما الطائرة ترجع من مهمتها كان من المفترض إنها تهبط على سطح المياه بجوار الغواصة علشان يتم سحبها للغواصة مرة تانية باستخدام رافعة هيدروليكية.
وأخيرًا وبعد عِدة اختبارات ناجحة كانت الغواصة I-400 جاهزة لتنفيذ المهمات، بس لسوء حظ اليابان السلاح السري دا مش هيعمل ولا مهمة وتأثيره في الحرب زي عدمه.

تدهور وضع اليابان في الحرب

الغواصة اليابانية المذهلة كان مُقدر ليها الفشل لأسباب كتيرة جدًا، أسباب متعلقة بالغواصة نفسها وأسباب تانية ليها علاقة بالحرب.
خطة “ياماموتوYamamoto” كانت قائمة على السرية وعنصر المفاجأة؛ وعلشان كده كان واجب العاملين على متن الغواصة من جنود وعمال ومهندسين إستغلال الوقت اللي هتكون الغواصة فيه على السطح أفضل استغلال ممكن؛ لأن كل ثانية بتكون الغواصة فيها طافية على سطح المياه بتتعرض لخطر كشفها؛ علشان كده كان عامل الوقت في غاية الخطورة وكل ثانية كانت مؤثرة.
والهدف الوحيد لكل طاقم الغواصة بمجرد ما تطفوا على السطح هو إقلاع الطائرات بأسرع وقت ممكن، وعلشان العمال كانوا بيسخنوا الزيت الخاص بمحركات الطائرات في أماكن خاصة خارج الطائرة قبل ما الغواصة تطفو على السطح؛ علشان يختصروا وقت تسخين الزيت بعد تشغيل محرك الطائرة؛ ولأن الغواصة بمجرد ما تطفو الوقت هيبقى ضيق فالثانية اللي هتكون فيها الغواصة على السطح هتخرج الطائرة الأولي من المخزن، وبعدها بيقوم المهندسين بفرد أجنحة الطائرة وتركيب الطوافات اللي هتساعدها على الهبوط وفي نفس الوقت ده، الزيت اللي تم تسخينه مُسبقًا كان بيتصب في محرك الطائرة علشان يتم تشغيلها، وبعدها بيتم تشغيل المِقلاع الهوائي اللي من خلاله هتكتسب الطائرة قوة الدفع اللازمة للإقلاع، وبعد عملية الإقلاع بتتجهز الطائرة التانية لنفس العملية، ثم الطائرة الثالثة، وبعدهم الغواصة بترجع تاني للمياه في إنتظار عودة الطائرات مرة تانية.
كل العملية دي من المفترض إنها تستغرق 30 دقيقة بس المشكلة الكبيرة اللي ظهرت عند التشغيل التجريبي للغواصة إن العمال استغرقوا وقت أكتر من كدا بكتير، وأقصر وقت قدروا ينفذوا عملية الإقلاع فيه كان 45 دقيقة، والوقت دا إعتبره كتير من قادة الجيش الياباني مُعضلة كبيرة؛ لأن اليابان في الظروف دي كانت بدأت بالفعل في خسارة الحرب، وأي خطأ هيكلفهم خسارة مبكرة وفادحة.

مهمات لم تكتمل

الغواصات اليابانية اللي اكتمل تصنيعها في الوقت ده كانوا 3 غواصات فقط لا غير، كانت عندهم أوامر بتفجير “قناة بنما Panama Canal” في محاولة لتأخير الأسطول الأمريكي وقطع طريق وصولهم للمحيط الهادئ، بس العملية دي اتلغت في يونيو 1945؛ لإن الأمريكان كانوا بالفعل عبروا القناة، وبعد إلغاء المهمة الأولى كانت عند الغواصات مهمة جديدة وهي تدمير القوات البحرية الأمريكية المجتمعة عند جزيرة “يوليثي المرجانية Ulithi atoll” ولكن قبل وصول الغواصات للجزيرة بثلاثة أيام كانت الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتفجير “هيروشيما Hiroshima” و”ناجازاكي Nagasaki” وإمبراطورية اليابان أعلنت الإستسلام وبالتالي إنتهت مهمة الغواصات الثانية والأخيرة.

تدمير الغواصات

وأخيرًا وبعد إسبوعين فقط من إعلان اليابان الاستسلام، اكتشفت القوات البحرية الأمريكية الغواصات والمخطط الياباني بالكامل، وبعدها فحص الأمريكان الغواصات دي لمعرفة التكنولوجيا الصناعية الخاصة بيها، وإنتهى أمر السلاح الياباني السري بالتدمير عند ساحل ولاية “أوهايو Ohio” الأمريكية.