صديقنا شمشون في يوم من الأيام كان بيمتحن إمتحان تحديد مستوى اللغة الإنجليزية؛ عشان يقدم بيه في وظيفة معينة، وفي الوقت ده تحديدًا وأثناء ما بدأ يجاوب على الأسئلة، بدأ يدور حوار في عقله الباطن، “ياترى إجابة السؤال ده هتكون إيه؟”، يقوم عقله الباطن رادد عليه وقايله: جدو علي عنده جاموسة، شمشون يقوله: جدو علي إيه بس، فين إجابة السؤال؟، فعقله يقوله: ولبنها يستاهل بوسة.
وطبعًا شمشون حاول بقدر الإمكان إنه يسيبه من موضوع جدو علي ده، ويدور في عقله على إجابة السؤال، وأخيرًا نجح في ده بس بصعوبة شديدة، والحقيقة الموقف اللي شمشون مر بيه، مفيش حد مننا تقريبًا مامرش بيه، تبقى مركز في حاجة معينة وتلاقي عقلك مطلع فاصل إعلاني عبارة عن أغنية أو جملة ويفضلوا يتكرروا بإستمرار، وللأسف غصب عنك لازم تسمعه، وبتبقى واقف مش عارف تعمل إيه في الفقرة اللي شغالة دي.
والسؤال اللي بيطرح نفسه هنا بقى، هو ياترى اللي بيحصل ده بيحصل ليه؟

البداية

في البداية كده خلينا متأكدين إن إحنا مش لوحدنا، وأكتر من 90% من الأشخاص بيعانوا من الظاهرة دي، وبتتكرر على الأقل مرة كل الأسبوع، وفي الغالب بتظهر أكتر في الأوقات اللي بنكون مش محتاجين فيها التركيز أوي، زي مثلاً وأنت بتغسل سنانك، وأنت مستني ميه الشاي تغلي، وأنت مستني الأتوبيس الصبح عشان تروح الشغل، وأشياء من هذا القبيل.
والظاهرة دي فعلاً واحدة من أعظم ألغاز العقل، وعدد كبير من العلماء كانوا عاجزين تمامًا عن تفسير اللي بيحصل في الوقت ده، وإزاي بالسهولة دي تقدر نغمة أو جملة معينة، تعلق معانا وتفضل تتكرر طول الوقت.

ديدان الأذن

اللي حصل لشمشون في الإمتحان ده الإسم العلمي ليه هو “الموسيقي اللاإرادية Involuntary music”، أو متلازمة الأغنية العالقة، لكن أكتر أسم مشهورة بيه هو “دودة الأذن Earworms”.
دودة الأذن بتعتبر مثال واضح للصور الذهنية، واللي بتنقسم لشقين، إما صور مرئية أو صور سمعية، الصور المرئية دي مثلاً زي لما تغمض عينك وتتخيل شكل عربية فيراري لونها أحمر وتحس أنك شايفها بالفعل حتى وأنت مغمض عنيك.
أما بقى الصور السمعية، واللي هي موضوعنا النهاردة، وهي لما تبدأ تتخيل مجموعة من الأصوات مش موجودة حواليك دلوقتي، وديدان الأذن بقى بتعتبر واحدة من أنماط الصور السمعية، لكنه نمط خاص شوية؛ وده لإنها بتكون غير إرادية تمامًا وبتطفل على ذهنك بدون أي إنذار أو تنبيه، يعني مش أنت اللي بتستدعيها أو بتحاول تفكر فيها هي بتيجي لوحدها كده وخلاص، وكمان بتتميز بإنها قادرة تتكرر بصورة النهائية، تبقى لسه سامع نغمة عشوائية في ودانك ما تعرفش جيالك منين، وماصدقت إنها وقفت تلاقي الأستاذة بعتهالك تاني، بنفس الثبات ولا أكنها بعتتها قبل كده.

السبب

طيب دلوقتي فيه سؤال، ليه فيه أغاني أو جمل معينة هي اللي بتثبت في الذاكرة دونًا عن غيرها؟، والحقيقة إجابة السؤال ده بتعتمد في الأساس على الشخص نفسه، هويته وذكرياته وشخصيته، وبالإضافة كمان الحالة أو الظروف المُحيطة بيه، وحالته المزاجية، طيب معناه إيه الكلام ده؟
خلينا نوضح الموضوع بمثال، وليكن مثلاً أنت في يوم عادي في الشغل، والمدير نده عليك وإدالك مكافأة ونفسيتك اليوم ده بقت عال العال، وبمجرد ما طلعت من أوضة المدير قابلت صاحبك اللي موبايله كان بيرن على أغنية معينة، بس كده الأغنية دي بقى اللي أنت سمعتها، هتلاقي نفسك كل ما تكون في شعور مماثل للي حسيت بيه يوم المكافأة، الأغنية نفسها هتقتحم حياتك وهتفضل تتكرر بصورة مستمرة.
وبالإضافة لموضوع الحالة المزاجية، الباحثين بيقولوا إن في نوع من الأغاني والجمل بتثبت أكتر من غيرها، وفي الغالب بتكون الأغنية دي نغمتها طويلة ومرتبه وكلماتها سهلة وقريبة من بعضها، وأكبر مثال على صحة الكلام ده، واللي هيلاحظها أكتر الأشخاص اللي عندهم أطفال في البيت هتلاقي أغنية زي الأغنية الملعونة أغنية baby shark، مش بس معلقة معاك دي هتلاقيها لازقة حرفيًا في دماغك، وتلاقيك ماشي في أمان الله في شقتك والهيبة واخدة حقها ومرة واحدة تلاقيك بتغني Baby shark do do d، شغالة في دماغك.

التفسير لوجود دودة الأذن

طيب ده بالنسبة للأسباب اللي تخلي أغنية أو جملة معينة تعلق معانا، لكن ليه بقى التكرار ده، ليه دودة الأذن موجودة من الأساس؟
بيرجح عدد كبير من العلماء إن موضوع التكرار بيحصل بسبب وجود تأثير زيجارنيك، وده نسبة لعالمة النفس السوفيتية والطبيبة النفسية “بلوما زيجارنيك Bluma Zeigarnik”، واللي أكدته زيجارنيك إن لما شخص بيبدأ في أي مهمة، ولنفترض مثلاً إنك قررت تذاكر فصل معين من مادة العلوم، ولو حصل وما أنهتش المهمة دي، وقررت تتجاهلها هتلاقي أفكار المهمة اللي ماخلصهاش بتظهر في ذهنك كل شوية، وحتى لو بدأت في مهمة جديدة، هتفضل الأفكار تقولك” على فكرة أنت لسة مخلصتش مذاكرة الفصل اللي قولت هتخلصه”، وهكذا طول اليوم وأنت عامل نفسك مش سامع، وفي حالة بقى إنك تدخل تنام مثلاً هيبدأ معاك الشعور بالندم إنك عايز تنام ومخلصتش اللي وراك، ومش بعيد كمان تلاقي صفحات الفصل اللي مخلصتوش بتراودك في أحلامك، لكن لو افترضنا إنك فعلاً كملت المهمة اللي وراك، في اللي هيحصل في الوقت ده، إن عقلك هيتخلص من الأفكار دي وكأنها لم تكن.
والعالمة زيجارنيك لاحظت ده من خلال متابعتها للأشخاص اللي بينزلوا طلبات في المطاعم، الويتر اللي في المطعم لما الزبون بيطلب منه طلب معين، بعد ما بينزل الطلب على الترابيزة، بيبدأ ينسى الطلب ده تمامًا ويفكر في حاجة غيره، لكن طول ماهو لسه ما نزلهوش، الطلب بيفضل في دماغه ويفضل فاكره.
وإستنتجت زيجارنيك من هنا إن المهمة طول ما أنا فيها ولسه ماكملتها، بتتكرر، لكن بمجرد ما أتخلص منها ما بتتكررش.
طب أنت بتقول كل ده ليه، وإيه علاقة ده بدودة الأذن والأغنية اللي بتعلق معانا؟، بص يا سيدي، نفس اللي حصل مع الفصل اللي بدأت مذاكرته وماخلصتهاش، وكذلك الطلب اللي الويتر لسه مانزلهوش، هو نفس اللي بيحصل مع الأغنية اللي بتسمعها في أي مكان أو بتسمعها بإرادتك على موبايلك، الأغاني اللي بتبقى عالقة في ذهننا، إحنا في الغالب ما بنبقاش حافظين منها إلا مقطع أو مقطعين، وبالتالي العقل بيعاملها على إنها مهمة غير مكتملة، فبناءًا عليه بتفضل تتكرر في عقلنا بإستمرار عشان تكملها.

طيب خلونا نطرح تساؤل أخير، إزاي نتخلص من النغمة اللي بتتكرر في أذهنا؟، وقبل ما نجاوب على السؤال ده، لازم ننوه إن دودة الأذن مش حاجة مضرة تمامًا، وعلى العكس حوالي أكتر من 70% من الأشخاص لما إتسألوا عن شعورهم تجاه ديدان الأذن، أكدوا إنهم كانوا مُستمتعين بيها، أو على الأقل مش مهتمين أصلاً بوجودها.
لكن خلينا نرجع لنقطة إزاي نوقف التكرار اللي بيحصل في دماغنا، بعض الدراسات إقترحت عدد كبير من الحلول، ومن أغرب الحلول دي هي إنك تاكل لبان، وأثبتوا فعلاً إنها بتقدر بطريقة معينة تتداخل وتعطل بعض عمليات الدماغ وتقدر توقف أي شيء بيتكرر وكأن اللبان نوع من التشتيت والإلهاء.
وفي عام 2012 مجموعة من الباحثين النفسيين، من جامعة “Western Washington”، أجروا تجربة بغرض معرفة الطرق اللي بتقضي على تكرار النغمات في الدماغ، والطرق دي اعتمدت على المحور ، ألا وهو الإلهاء، ولكن، من خلال الألغاز.

ووفقًا للدراسة، إكتشفوا إن حل الألغاز زي السودوكو والكلمات المتقاطعة ساعد بشكل كبير بإن الأغاني اللي اشتغلت متعلقش في دماغهم، لكن المدهش إن مش كل الألغاز قدرت تعمل ده؛ لأن الألغاز السهلة جدًا والصعبة جدًا، الإتنين سمحوا للأغاني إنها تعلق في الدماغ؛ لإن السهلة ما إحتاجتش مجهود في حلها، وبالتالي دورها مكنش مؤثر، أما الصعبة فبمجرد ما كان بييأس المشتركيين من حل اللغز، بيبدأ العقل يدور على حاجة تانية يلهي بيها نفسه، والحاجة دي بتكون مقطع متكرر في الدماغ، وده بالمناسبة السبب في الموقف اللي بنعترضله في الإمتحانات لما نبقى مركزين بزيادة، وخصوصًا لو الإمتحان صعب.
القائمين على الدراسة ما استكفوش بكده، لكنهم حاولوا يعرفوا هل الألغاز اللي فيها أرقام زي السودوكو أو اللي فيها حروف زي الكلمات المتقاطعة، مين فيهم اللي هيكون مؤثر أكتر في التخلص من الأصوات اللي بتتكرر؟، والمدهش أنهم إكتشفوا إن لعبة زي السودوكو سواء سهلة أو صعبة مبتكونش مؤثرة بنسبة كبيرة في إبعاد الأفكار، في حين إن لعبة زي الكلمات المتقاطعة بتكون ممتازة في المهمة دي، ولما حاولوا يعرفوا السبب، لاقوا إن الأغنية اللي بتيجي في عقلنا بيتم التعامل معاها على إنها كلمات، ولما بيجي وقت حل الكلمات المقاطعة، عقلك بيحتاج يستخدم نفس الموارد اللي كان مستخدمها في تكرار الأغنية؛ لأن الأغنية هي كمان عبارة عن كلمات.

وللسبب ده بيطرد الأغنية اللي عمالة تكرر في عقلك عشان يقدر يحل اللغز، ولو فيه أغنية أو جملة بتتكرر في دماغك وعاوز تتخلص منها، ومفيش معاك ألغاز ولا كلمات متقاطعة، ف كل اللي تقدر تعمله ببساطة هو أنك تلجأ للقراءة، إقرأ أي حاجة موجود حواليك لِعدة دقائق؛ وده لأن القراءة بتقوم بنفس الدور اللي بتقوم بيه الكلمات المقاطعة؛ لأنها هي كمان كلمات.
وفي النهاية خلينا ننوه إن ذكرنا للأغاني في الحلقة، فده على سبيل المثال وإيصال المعلومة ليس أكثر، وليس تشجيع منا على سماعها.