لو أنت قاعد وسط مجموعة من الأشخاص وبتتكلموا، أو لو قاعد في مكان عام، أو حتى لو ماشي في الشارع، فأنت في الوقت ده بتبقى سامع الأصوات اللي حواليك، ناس بتتكلم، وعربيات ماشية، وحاجات كتير بتخبَّط في بعض، والطبيعي في المواقف اللي زي دي، إنك لو إبتعدت عن الضوضاء وأنتقلت لمكان هادئ، ونقصد هنا هادئ بالمعني الحرفي للكلمة، فالمفروض إنك ما تسمعش أي صوت إطلاقا.
لكن الحقيقة اللي بيحصل عكس كده في دايمًا في موقف غريب، كلنا بنمر بيه تقريبًا بشكل شبه يومي، بمجرد ما بنقعد في مكان هادئ، وخصوصًا في وقت الليل، بدل ما بنحس بالهدوء، بنسمع صوت طنين أو صفير، وبتكون النغمة بتاعته مستمرة، ونبرته أحيانًا بتكون خفيفة، وفي أحيان تانية بتكون حادة، فـ ياترى بقى الصفير ده عبارة عن إيه بالظبط؟
البداية
فيه مقولة للكاتب والروائي الياباني (هاروكي موراكامي Haruki Murakami) بيقول فيها: (إكتشفتُ أن الصمت هو شيء يمكن فعليًا سماعه)، والحقيقة بالرغم من إنه هنا غالبًا يقصد إنه يعبر عن الشعور بالوحدة بصيغة أدبية، إلا إنه بعيدًا عن الأدب والروايات، ف ةالمقولة دي علميًا صحيحة.
إحنا فعلاً أحيانا بنسمع صوت الصمت أو بمعنى أصح، بنسمع صوت صفير بيدل على الصمت، طيب، ياترى الظاهرة دي بتحصل ليه، أو إيه سبب حدوثها؟
الحقيقة الإجابة على الموضوع ده بتكمُن في عِدة أسباب، أولها إن الصفير هو بقايا لـ ضوضاء الماضي، جربت قبل تحضر حفلة أو مؤتمر أو حتى فرح، أو أي حاجة من اللي بيسود عليها طابع الضوضاء أو مكبرات الصوت، وبعد كده رجعت البيت؟، إدخل أوضتك بقى أو أي مكان هادي، وغير هدومك واقعد على سريرك، في الوقت ده بالتحديد هتسمع صفير، ونبرته هتكون من العيار التقيل، الموقف ده مألوف، وتقريبًا معظمنا مَر بيه.
وممكن كمان الصفير ده ما يستناش لما تروَّح البيت، أنت أصلاً بمجرد ماتسيب الحفلة أو المكان اللي فيه مُكبرات صوت، وتتحرك بعيد عنه شوية، هيبدأ صوت الصفير ده يشتغل في ودانك؛ بسبب إن التعرض للأصوات العالية لفترة زمنية طويلة، بيأثر على الخلايا الحساسة للصوت الموجودة في منطقة الأذن الداخلية، الأذن بتتكون من تلات أجزاء رئيسية، الأذن الخارجية والأذن الوسطى، ودول اللي بينقلوا الموجات الصوتية لـ الأذن الداخلية أو القوقعة، والأخيرة دي هي اللي بتضَّخم الأصوات، وبتحولها لـ إشارات عصبية بتوصل للعقل، وإحنا هنختص بالحديث دلوقتي عن (القوقعة) تحديدًا.
قوقعة الأذن هي أنبوبة مجوفة ملتفة على نفسها بشكل يشبه صدفة الحلزون، ويمكن من هنا إكتسبت اسمها، القوقعة من جوا بقى، بتحتوي على حاجة إسمها (العضو كورتي Organ of Corti)، وده بقى جسم بيحتوي على عدد مهول من الخلايا المشعرة أو الخلايا الحسية.
الخلايا دي عددها بيتراوح من 16 ألف إلى 20 ألف شُعيرة، وهي خلايا حساسة للغاية، وهي بالتحديد اللي بتستقبل الإهتزازات وبتحولها إلى رسائل عصبية، وبعدين بيتم تمرير الرسائل دي إلى العصب السمعي، ومن ثَمَّ بتروح لـ الدماغ.
المُشكلة مع الخلايا دي بقى إنها متعودة على مَدى صوتي أو تردد صوتي معين، واللي هو النبرة أو الحد الطبيعي من الصوت، أو الأصوات العادية اللي بنتعامل معاها يوميًا، لكن الأصوات العالية بزيادة أو الضجيج المرتفع، فده شئ هي مش متعودة عليه، فبتبدأ تهتز بشدة، وبشكل خارج عن المألوف؛ وبناءًا عليه بقى، فده بينتج عنه أمرين، أهونهم، إنه يحصل صوت طنين أو صفير داخل الأذن من جوا، وده الطنين اللي إحنا كلنا بنسمعه في وقت السكون.
أما الأمر الأكثر حِدة، هو إن الخلايا الحساسة دي، بسبب فرط الضجيج، ممكن كمية كبيرة منها تتلف وتموت، والمشكلة الأكبر إن الخلايا دي من النوع الغير متجدد، يعني لو تلفت كمية منهم، مفيش خلايا جديدة هتنمو مكانها، وده اللي بدوره بيتسبب في إصابة الشخص بضعف السمع، أو عند مُستوى معين، مُمكن يِفقِدُه السمع تمامًا.
إذًا المُلخص المُفيد، هو إن حضرتك لما بتتعرض لأصوات عالية، بتبدأ الخلايا الحسية داخل أذنك الداخلية تهتز بشدة، ونتيجة إهتزازها ده، أو نتيجية إضطرابها، فده بيترجم في النهاية لصوت الطنين أو الصفير اللي أنت بتسمعه، طيب هل اللي فات ده هو السبب الوحيد في سماع طنين الأذن؟
الحقيقة لأ، من الغريب إن طنين الأذن ممكن ينتج برده بسبب الضوضاء، لكن الضوضاء دي المرادي مش ناتجة عن حفلة ولا مكبرات صوت، ولا أي حاجة من الحاجات دي، ولكنها ناتجة منك أنت شخصيًا، وتحديدًا من داخل جسمك، ممكن في بعض الأحيان ينتج طنين في أذنك بسبب الأصوات الناتجة عن تدفق الدم من خلال الشرايين والأوردة المجاورة للأذن.
صوت التدفق ده، ممكن في أوقات كتير نسمعه عادي جدًا ويترجم برده لصوت طنين، وممكن الطنين برده يكون ناتج عن حركة وصوت عضلة القلب أو خلل في عظم الأذن الوسطى، وكذلك ممكن يكون بسبب التشنجات العضلية، وتحديدًا تشنج في العضلة الموجودة في سقف الفم، واللي بدوره بيخلي القناة السمعية تفتح وتقفل بشكل متكرر، وده برده ممكن يترجم لصوت طنين أو صفير، وأحيانًا نقرات، طب هل دي كل الأشياء اللي بتسبب الطنين؟، في الواقع لسه.
شمع الأذن قد يُخطئ أحيانًا
ممكن الطنين أو الصفير يكون ناتج عن تراكم طبقة الشمع الموجودة في الأذن، شمع الأذن هو شيء مفيد، ووجوده ضروري جدًا؛ وده لأنه بيساعد على حماية الأذن من الأتربة والملوثات، وبيكون بمثابة حاجز منيع بيمنعهم من الدخول، ده غير إنه بيلعب دور مهم في حماية الجسم من الإلتهابات والعدوى، لكن بالرغم من الفوائد دي كلها، إلا إن أحيانًا تراكم الشمع ده داخل الأذن بكميات كبيرة ممكن يتسبب في إنسدادها والضغط على طبلة الأذن، واللي بدوره بيسبب تهييج في المكان ممكن يؤدي لحدوث صوت الطنين.
وبالمناسبة مش معنى كلامنا إننا نزيل شمع الأذن بإستمرار من خلال أعواد الأذن مثلاً أو غيرها من الوسائل؛ لأن الأطباء مابينصحوش بده إطلاقًا، ودايمًا بينصحوا بإننا نسيب الشمع ده في حاله ومانتدخلش فيه؛ لأن الأذن بتتخلص منه بطريقة طبيعية، وبدون أي تدخل خارجي، ده غير إن أعواد التنظيف أصلاً بتزق الشمع لجوا ناحية طبلة الأذن، وده بدوره بيخلي الأمور تسوء أكتر، وبيسبب عدد من الأعراض الخطيرة.
أسباب مرضية
الحقيقة مازال في أسباب مرضية ممكن يكون إحداها هو السبب في ظهور الطنين، وده مثلاً زي حدوث ورم حميد في العصب السمعي، أو تصلب العظام الموجودة في الأذن الوسطى، واللي بدوره بيأثر على السمع وبيسبب الطنين، وممكن الطنين يكون أثر جانبي لعدد من الأدوية، زي (الأسبرين Aspirin) وبعض أنواع المضادات الحيوية، وكذلك مضادات الالتهاب، والمهدئات، بالإضافة لـ الأدوية المضادة للملاريا، وطبعًا حالات طبية أخرى زي إصابات الرأس والرقبة، ومتلازمة المفصل الصدغي الفكي (TMJ)، وإرتفاع ضغط الدم، ومشاكل الدورة الدموية، والحساسية والغدة الدرقية غير النشطة، وأخيرًا أمراض المناعة.
ده غير إن الصفير بيتفاقم وخصوصًا لو الشخص ده بيدخن أو بيشرب كحول، أو بيفرط في إستخدام المواد المُنبهِة.
الوقاية من طنين الأذن
والأشخاص أصحاب المهن اللي بتخليهم عُرضة للصوت العالي طول الوقت، فممكن نتغلب على ده من خلال إرتداء خوذة لحماية السمع أو إرتداء سدادات أذن، والموضوع ده ضروري وماينفعش يبقى في تهاون فيه إطلاقًا، ويُنصح طبعًا بتهدئة الصوت أثناء تركيب سماعات الهاند فري على الأذن؛ لأن التعرض طويل الأمد للأصوات المضخمة، بيكون سبب في فقدان السمع.
ومن الأشياء المهمة هي رعاية صحة القلب والأوعية الدموية الموجودة في جسمك، وده طبعًا بيتم من خلال ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وتناول الطعام بشكل صحيح؛ لأنك لو حافظت على سلامة الأوعية الدموية، بالتالي الطنين أو الصفير هيتوقف تمامًا.