الدهب هو ملك المعادن عند البشر، الرجالة بتحبه في الاستثمار والستات بتحبه في الزينة، لكن المحير بقى أن الدهب وإن كان له بعض الخصائص الجميلة، إلا إن الخصائص دي موجودة في عناصر غيره كتير، أما إذا فكرت في سبب إرتفاع قيمته، فهتحتار أكتر؛ لأن اللى بيخلي شئ يبقى غالي هو ندرته، أو قانون العرض والطلب، لو الحاجة موجودة كتير متبقاش غالية ولو مش موجودة كتير بتبقى غالية، لكن الدهب متوفر ولا يعتبر من العناصر النادرة.

أماكن تواجد الدهب

لو تأملنا في المعابد والمقابر والتماثيل الدهبية اللي خلفتها حضارات العالم القديم، أو في كمية الدهب المكتشفة عند حضارة الإنكا، أو بصورة عامة كمية الدهب المستخدمة بإسراف في كل الحضارات، بما فيها الحضارات الحديثة اللي استعملت الدهب في سك العملات والنقود، ممكن نستنتج أن الدهب مش بالندرة الكبيرة اللي بيتصورها البعض، وبالفعل الدهب بينتشر في الجبال وبين الصخور على هيئة عروق وموجود كرواسب في التجمعات النهرية، وكمان يوجد في ماء وقيعان البحار والمحيطات، فنقدر نأكد أن الدهب من العناصر الغير نادرة في الكرة الأرضية.
وبمناسبة الكرة الأرضية فالمعروف إن الدهب من العناصر الدخيلة على الأرض، بل على المجموعة الشمسية كلها، فالدهب من العناصر الثقيلة اللي تم رشق الأرض بيها وغاصت في الأعماق لارتفاع كثافتها في بداية تكون الأرض، وكان وصولها للأرض عن طريق وابل من النيازك اللي تكونت من انفجار مستعر أعظم، والسبب في كده إن كمية الحرارة والطاقة المطلوبة لتخليق النوع ده من العناصر الثقيلة غير متوفرة في الشمس بتاعتنا، وإنما بيتطلب الأمر لنجوم عملاقة قادرة على إنتاج القدر الرهيب ده من الطاقة في مراحل حياتها الأخيرة.

ووفقًا لمجلس الدهب العالمي إنه وحتى نهاية 2019 فإن إجمالي كمية الدهب اللي تم استخراجها عبر التاريخ بلغ حوالى 197,576 طن، وإن حوالي 47% من الكمية تم استخدامها في صناعة المجوهرات وأغراض الزينة والحلى، بما يوازى 93 ألف طن، بالإضافة لحوالي 14% في المجالات الصناعية للطب والالكترونات والمواد الغذائية، بما يوازي حوالي 28 ألف طن، وأخيرًا حوالي 39% من الكمية بمعدل 76.5 ألف طن تم حفظها دون تصنيع اى شئ له هدف بغرض الاستثمار وحفظ القيمة.
كما يشير مجلس الدهب إلى وجود احتياطي يمكن استخراجه بالتكاليف العادية يقدر بحوالي 54 ألف طن، وطبعًا الـ 54 ألف طن دول هم الكمية اللي ممكن يتم استخراجها مع وجود جدوى اقتصادية، وإلا فهناك أطنان من الدهب مخلوطة بمياه البحر مثلاً، ولكنها موجودة بتركيز قليل وتحتاج مصاريف ضخمة لإزاحة وتنقية وفلترة كمية الدهب من كميات المياه الهائلة، وأيا كان فالكمية المكتشفة من الدهب هي كمية كافية بالفعل، خاصة مع تميز الدهب بانعدام الهدر، يعنى من الممكن يكون الخاتم أو الغويشة اللي موجودين دلوقتي هي نفسها جزء من الكرسي الملكي لأحد الملوك في مرحلة ما.

استخراج الدهب

وكقاعدة معروفة إن استهلاك الموارد بيؤدي إلى ندرتها وبالتالي ارتفاع تمنها، إنما الدهب مش بيُستهلك، كمية الهدر فيه قليلة للغاية، فيا ترى إيه السبب في ارتفاع قيمته؟
في الحقيقة أن السبب هو صعوبة الاستخراج وارتفاع التكاليف، وبمعنى آخر ممكن نقول إن الدهب موجود وإحنا عارفين مكانه وعارفين طريقة استخراجه، لكن لا توجد جدوى اقتصادية من استخراجه؛ لأن تكاليف استخراج جرام من الدهب هتفوق سعر بيعه، وعشان اضربلك مثال لموضوع الجدوى الاقتصادية ده هقولك على حاجه تعملها وترجع منها بدهب.

هتاخد فرقة من أصحابك، واطلعوا على الجبل، وخدوا معاكم عدة لتكسير الصخور وعدة للحفر ويستحسن تبقى عدة يدوية، يعني من غير بلدوزرات ولا حاجه عشان محدش يحس بيكم؛ لأن الموضوع كله غير قانوني، موضوع التنقيب عن الدهب له شروط كتير عشان يبقى قانوني، والأهم عشان يبقى من غير مخاطر؛ لأن اختلاط الدهب بشوائب أو حتى عملية فصله هي عملية خطيرة بتؤدي لأخطار التسمم والموت، لكن هنعتبر إنكم هتخدوا معاكم أقنعة غاز وهتخلوا بالكم، المهم ابدؤا الحفر والنقيب.
لو حظكم كويس هتقدروا تلاقوا في كل طن مُزاح من الصخور والأتربة جرام من الدهب كسروا بقى الصخور الكبيرة عشان تقدروا تشيلوا أحجام معقولة في العربية، وبعدها تعالوا عشان نبدأ مرحلة التحليل والفصل، المرحلة دي بتتطلب أحواض معينة من مواد ومعادن خاصة وبتحتوي على الزئبق الأبيض، وبيتم فيها غسل الأحجار وطحنها وتفتيتها وتقليبها بعامود الكربون، وفى النهاية بتخرج الشوائب وبيترسب الدهب في قاع الأحواض لأن كثافته أعلى، وبعد كده هاتوا شوية الدهب اللي شبه البودرة المطحونة واللي رسيت في قاع الحوض عشان مرحلة الصهر، واللي بتحتاج أفران معينة بدرجات حرارة مرتفعة جدًا، وبعدين هات الدهب المصهور عشان مرحلة التعدين والتشكيل، واللي فيها بيتم سكب الدهب في قوالب خاصة لتشكيل السبائك وتجهيزها لمرحلة العرض على التجار.

في المرحلة دي بقى قولي تمن الجرام ده هيساوي إيه من المجهود أو المصاريف اللي راحت في سكته؟
في الحقيقة إنك لو لسه مُصر إنك تنقب عن الدهب فلازم تعرف أن فيه اتفاقيات دولية بتحكم العملية وفيه معايير وقوانين صارمة، ومن ضمن المعايير المفروضة وأولها هو الحصول على الموافقة من الحكومات واحترام معايير العمل وأهمها توفير ظروف العمل الآمنة، وكمان مراعاة أن أعمال التنقيب تكون بعيدة عن أماكن العمران أو المناطق العسكرية والنزاع المسلح، وأخيرًا التعهد بأن المشروع لن يلوث التربة أو المياه أو الهواء، والتكفل بعمليات الإغلاق والتنظيف للمواقع.
الحقيقة رغم كل الصعوبات وارتفاع التكاليف إلا أن سحر الدهب بيخلي شركات التعدين مهتمة بالكشف والتنقيب بصورة مستمرة، بل إن معظم الشركات دي حددت بالفعل بعض الأماكن اللي بيتواجد فيها الدهب عديم الجدوى الاقتصادية، انتظارًا للتكنولوجيا المناسبة اللي تساعد في استخراجها.

خصائص واستخدامات الدهب

وفى محاولة أخيرة لفهم أهمية الدهب وتعلق الناس بيه، نقدر نعرف أن الدهب له استخدامات عديدة غير الزينة والمجوهرات، فالدهب بيستخدم في صنع رقائق الكمبيوتر لإنتاج الدوائر الكهربائية؛ لأنه موصل ممتاز للكهرباء، وبيستخدم في المجالات الطبية لعلاج التهابات المفاصل وبعض أنواع السرطانات، كمان يشتهر في مجال طب الأسنان وعمل الحشوات الدهبية، بالإضافة لبعض الصناعات وأعمال الطلاء، بل حتى بيدخل الدهب في صناعة بعض المواد الغذائية، وأخيرًا الدهب شهير في المجال الاقتصادي والاستثمار وسك العملات.
وزي ما قولنا بالرغم من أن الدهب موجود كتير إلا أن السبب في ارتفاع تمنه هو أن تكلفه استخراجه كبيرة جدًا.