البشر عندهم قواعد وتقاليد صارمة بخصوص النظافة بوجه عام، أينعم هو مش كل البشر أوي لكن ما علينا، عمومًا إحنا بنهتم بالنظافة جدًا، وده زي غسل الإيدين قبل تناول الطعام، وزي تنظيف أواني الأكل، والحفاظ على أكبر مسافة ممكنة بين الطعام وبين الملوثات، وغيرها من الأمور المعتادة، على الجانب الأخر بقى بنشوف الحيوانات بتاكل من على الأرض عادي جدًا، وحتى لو الطعام لازق فيه أي حاجة من الشارع فماعندهومش أي مشكلة.
القطط مثلًا بتلعق فراءها بالكامل وبيلتصق بلسانها ملوثات ومواد غريبة، وبرضو مفيش مشكلة، بل إن عدد من الحيوانات المفترسة بياكلوا جيفة ولحوم ميتة وبرضو مازال مفيش عندهم أي مشكلة، ناهيك أصلًا عن المياه اللي بيشربوها واللي غالبًا بتكون ملوثة وغير نظيفة إطلاقًا.
ياترى إزاي الحيوانات بتقدر تعمل كده؟ إزاي جهازهم الهضمي وجسمهم بوجه عام بيقدر يتعامل مع الكم الرهيب ده من الجراثيم والميكروبات طول الوقت، واللي أحيانًا بعضها بيكون مميت بالمعايير البشرية.

بكتيريا نافعة داخل المعدة

قبل ما نبدأ تفصيل في المسألة ياترى حد سأل نفسه قبل كده، ليه الطعام الفاسد مُضر؟، البكتريا والكائنات الحية الدقيقة لما بيتضاعف عددها في ظروف معينة، وتقرب من الأكل، بتبدأ تغير من تركيبه وطعمه، وبتنتِج أحماض وغازات وبعض المواد الكيميائية الضارة، واللي بعضها بيكون سام بالنسبة للإنسان، وبالتالي لو أكلنا حاجة بالمواصفات دي، هنمرض فورًا.
بعض الأطعمة والفواكه مثلا بيحتووا أحيانًا على (الميثانول) أو الكحول الميثيلي، والعنصر ده يعتبر عنصر خطير جدًا على الإنسان، لكن لحسن حظنا إنه في أغلب الوقت داخل الفاكهة، بيكون مرتبط بعنصر تاني، ألا وهو البكتين، وده بيخلي من الصعب جدًا تفكيك الرابطة اللي بينهم وبالتالي مابيبقاش فيه ضرر طالما الفاكهة سليمة، لكن لو البكتريا وصلت للفاكهة بتقدر إنها تفك الرابطة دي وبتحرر الميثانول؛ وعشان كده مانقدرش ناكل الفاكهة والأطعمة التالفة، اللي عليها بكتريا، واللي الميثانول تحرر منها؛ لأنه بكده هيضرنا وهننصاب بالأمراض، لكن بالرغم من كده، الحيوانات بتقدر تاكل الأطعمة دي عادي جدًا.
والإجابة عن الموضوع ده لأنه ببساطة عدد كبير من الحيوانات بيمتلكوا في بطونهم أنواع مختلفة من البكتريا النافعة، واللي بتقدر تقضي على أي بكتريا آخرى ضارة وكذلك على الميكروبات والأمراض الناتجة عنهم، إبتداءًا من مخلوقات غاية في الصِغر زي النمل الأبيض واللي عنده ميكروبات بتساعده في الضهم وفي تكسير الخشب، ومرورًا بباقي الحيوانات الضخمة والحيوانات المفترسة الآكلة للحوم.

حمض المعدة

والحقيقة الموضوع مش متوقف على البكتريا النافعة الموجودة داخل المعدة وخلاص، ولكن عند حيوانات كتير، المعدة نفسها بتكون هي السلاح أو تحديدًا، درجة حامضية المعدة.
لو راجعنا أبجديات الكيمياء اللي نعرفها، هنلاقي إن مقياس الأس الهيدروجيني هو رقم بيتراوح من صفر إلى 14، في حين إن 7 مادة محايدة، وأخيرًا 14 بيمثل مادة شديدة القلوية، والإنسان مثلاً بالرغم من إن رقم الأس الهيدروجيني لـ عصير معدته مُتغير طبقًا لنوع الغذاء اللي بياكله، إلا إنه في العادة بيتراوح من 2 لـ 3.
النسر الرومي أو نسر الحبش على سبيل المثال، درجة حموضة معدته تقريبًا صفر، ونظرًا لإن مقياس الأس الهيدروجيني مقياس لوغاريتمي، فرياضيًا درجة الحمضية الواحدة بالنقصان، بيقابلها قيمة كبيرة.
يعني بالعربي كده، معدة نسر الديك الرومي ممكن تكون تقريبًا أكبر بـ 1000 مرة من قيمة الحمضية في معدة الإنسان، ودرجة الحامضية الضخمة دي، ممكن تتسبب في تآكل وإذابة المعادن؛ وعشان كده الأحماض دي بتقتل البكتريا والطفيليات، وبتتعامل بسهولة مع مسببات الأمراض والعديد من المواد اللي ممكن تكون سامة، ده غير إنها بتساعد حيوانات زي الضباع في هضم العظام اللي بيتناولوها.
ده بالإضافة لإن الحيوانات أصلًا بتتمتع بـجهاز مناعة قوي للغاية، يعني لو البكتريا قدرت حتى تهرب من حمض المعدة، فهتلاقي جهاز المناعة بيقابلها بقوة.

مسار هضمي قصير

من الحاجات الغريبة أيضًا، هي إن فيه عدد من الحيوانات زي القطط والكلاب مثلاً، عندهم جهاز هضمي قصير، وقنوات هضمية قصيرة، والجهاز الهضمي القصير معناه إن الطعام وأي بكتيريا معاه هتقضي وقت قليل جدًا في الأمعاء قبل ماتخرج من الطرف الأخر، بالإضافة لإن الأمعاء نفسها من الداخل بتكون ناعمة ومُبطنة.
كل العوامل دي بقى مش بتسمح للبكتريا بأنها تتكاثر أو تستخبى بسهولة، البكتريا عشان تتكاثر لأعداد معينة كافية للتسبب في المرض بتحتاج لقدر معين من الوقت عشان تعمل كده، لكن في ظل المسار القصير والتبطين الداخلي، ما بيكونش قدامهم أي فرصة إطلاقًا إنهم يعملوا كده أو حتى يعسكروا داخل الأمعاء؛ لأن خلال ساعات معدودة بيكون كل الطعام اللي في المعدة بالبكتريا اللي فيه، مر من خلال الجهاز الهضمي بالكامل، وده طبعًا بجانب إمتلاك الجسم لـ كمية كبيرة من عصائر المعدة شديدة الحموضة، اللي اتكلمنا عنها من شوية، فلو العصائر الحمضية ماقتلتش كل البكتيريا قبل ما تصل إلى الأمعاء، فالقناة الهضمية القصيرة والناعمة مُصممة لإحباط مُخططهم.
وعشان كده اللحوم النيئة مثلاً اللي ممكن تجعلنا نمرض؛ نظرًا لإحتوائها على السالمونيلا الضارة بالنسبة للقطط والكلاب، وأكلي اللحوم عامة ماتعتبرش شئ خطير؛ وده مش لأنهم مُحصنين ضد السالمونيلا مثلاً ولا حاجة، ولكن كل الموضوع إن مسار جهازهم الهضمي قصير مش أكتر.

ليست مخلوقات خارقة

طيب خلينا نناقش الموضوع من وجهة نظر تانية، هل معنى الكلام اللي قولناه ده، إن كده الحيوانات مش بتصاب بالأمراض، وخصوصًا الأمراض المُتعلقة بالمعدة والجهاز الهضمي، هل هما كائنات خارقة مثلاً؟
في الواقع لأ، الحيوانات بتُصاب بالأمراض عادي جدًا، والحيوانات ممكن حرفيًا تموت بسبب التسمم الغذائي، وده بيحصل في أحيان كتيرة ومع حيوانات مختلفة سواء أكلي اللحوم، أو حتى أكلي النباتات، وحتى الضباع والأسود بالرغم من شراستهم، إلا إنهم لو أكلوا طعام فاسد أو سئ، ممكن ده يخليهم يمرضوا بدرجة كبيرة، ده غير إن العيادات البيطرية أحيانًا كانت بتستقبل كلاب بيعانوا من تلوث السالمونيلا مع إنه المفروض ما يأثرش فيهم، لكن زي ماقولنا من شوية، هما مش مُحصنين تجاهُه، وبالتالي وارد يُصابوا ببعض الأمراض، والكلاب بتصاب أيضًا بالكبد والفشل الكلوي واللي غالبًا بيكون مُميت، وبيجعل الحيوان ضعيف وفريسة سهلة للمفترسين اللي حواليه.
وده بالمناسبة أحد أهم الأسباب اللي بتخلي عمر الحيوانات في البرية قصير إنهم بيُصابوا بالأمراض، يعني على سبيل المثال القطط المنزلية ممكن تعيش في المنزل من 15 لـ 20 سنة، في حين إن نفس القط لو إتساب في البرية وماتمش رعايته، مش هيكمل أكتر من عامين في المتوسط، وكذلك من الأشياء المهمة اللي عاوزين نقولها، هو إننا مش شرط نمرض لو أكلنا طعام متسخ أو متعفن، ولكننا بنمرض لو العوامل النشطة داخل الأكل أصابت أنظمتنا الهضمية، وهاجمتها بشراسة.

وصدق أو لا تصدق الجبنة مثلاً نوع من أنواع الطعام المُتعفن، لكن بالرغم من كده معظم الناس مش بتمرض لو أكلوا جبنة، وكذلك الزبادي والمخللات والصلصة المُصنعة والبسطرمة والسمك المملح، كل دي أغذية ومنتجات بناكلها وهي مازالت بتحتوي على ميكروبات نشطة، وبالرغم من كده بنبقى عايشين عادي ومابيحصلناش مشاكل.
الموضوع معتمد على آلية تعامل جسمنا معاهم زي ماقولنا، وكذلك الموضوع معتمد برضو على مدى تركيز جرعة الميكروبات فيهم، واللي في العادة بتكون نسبة قليلة، ولكن الفكرة في العوامل النشطة الموجودة في الأكل، سواء هتقدر تتغلب على الآليات الدفاعية في الجهاز الهضمي عند الحيوانات ولا لأ؛ لأنها لو قدرت فمن المؤكد إن كده الحيوان ده هيمرض وكذلك الطعام اللي أكله هيبقى طعام ملوث، وعشان كده الموضوع نسبي

يعني هتلاقي معظم الحيوانات المفترسة مثلاً بخلاف النسور بتحاول قدر الإمكان إنها تاكل اللحوم الطازجة فقط، ومبتاكلش الطعام التالف غير لما تبقى مضطرة؛ لأنها عارفة إن درجة التلف في الطعام هتأثر عليها بالسلب، وحتى النسور نفسها، واللي بتاكل أطعمة فاسدة باستمرار بتحاول تستحم بالماء من وقت للتاني، وتمارس تصرفات مشابهة عشان تزيل الأمراض عن جسمها قدر الإمكان، والغريب برضو إن الفئران والجرذان اللي بتاكل من مقالب المهملات، بيكون عندها حاسة شم قوية جدًا، وبتحاول قدر الإمكان من خلال الشم إنها تبعد عن التلوث وعن درجات التلف الشديدة في الأطعمة، ومش بتاكلها غير لما تكون مضطرة. إذًا في النهاية، وبناءًا على الكلام ده كله، الحيوانات مش بتحب الطعام التالف ولا حاجة زي ما البعض معتقد، وكذلك مش بتحب تاكل الأطعمة الملوثة من على الأرض، ولكن كل الموضوع إنها مضطرة لكده مش أكتر، ولو قدامهم طعام ملوث وغير ملوث هياكلو الغير ملوث كل مرة، كل الموضوع أن ربنا سبحانه وتعالى خلقهم بقدرة تحمل أعلى شوية عشان تتناسب الطبيعة البيئية اللي بيعيشوا فيها، لكنهم طبعًا مش مُحصنين ضد الأمراض.