في ليلة من ليالي البرد القارص، واللي متختلفش كتير عن اللي إحنا فيها اليومين دول، كان شمشون بيستعد عشان ينام وفي طريقه للسرير، وهو ماشي في أمان الله، كوعه إتخبط في باب الأوضة، خبطة لولبيه كده زي اللي بنتخبطهم ومابنبقاش عارفين إحنا إتخبطنا إزاي، لكن المهم إن شمشون في اللحظة دي، كان كل اللي حاسس بيه آلم شديد لا يُطاق، والألم مكنش بس مكان الخبطة، ده كأن كل ذرة في جسمه بتتألم، وبعد ما الألم هدي تمامًا، ومشي مدروخ ناحية السرير هوب صباعه الصغير اتخبط في الكومودينو، وقتها شمشون حس إنه خد طلقة في رجليه، وحس إنه هيغمى عليه من الألم، وفضل يصبر نفسه شوية لحد ما الألم هدي، ووقتها افتكر شمشون إنه إتخبط نفس الخبطة دي وفي نفس المكان ده، بس وقتها كان مكنتش بالألم ولا بالقوة دي خالص.
وبدأ يفكر كدا طب إيه الفرق، لقى الفرق إنه كان في الصيف، القصة القصيرة اللي فاتت دي، كلنا بلا إستثناء إتعرضنا لها، ودايمًا بنسأل نفسنا، هو ليه الألم بيزيد في البرد أكتر من الجو الدافي، وهل الظاهرة دي ليها تحليل علمي، ولا الموضوع كله عبارة عن إيحاء وأفكار في عقلنا لا أكثر ولا أقل؟.

القنوات مُستقبلة البرد

سواء اتفقنا أو اختلفنا على جمال الشتاء من عدمه، ف اللي كلنا بنتفق عليه هو إننا في الشتاء وفي أيام البرد القارصة، بنحس بالألم أضعاف مُضاعفة عن أي وقت تاني من السنة، والخبطة اللي ممكن نعديها ونتجاهلها في لحظات في الصيف، مش ممكن أبدًا إننا نعديها أو نتجاهلها في وقت الشتاء.
والسؤال اللي بيطرح نفسه هنا هو ليه الألم بيزيد بالصورة دي في البرد؟، جسمنا بيحتوي على حاجة إسمها قنوات مُستقبلات البرد، القنوات دي مُرتبطة بالخلايا العصبية المُمتدة في جميع أنحاء الجسم، وبمجرد ما بنتعرض لشئ بارد، بتنشط مباشرةً، وده ببساطة اللي بيخلينا نشعر بالبرودة، ولحد هنا الكلام تمام.

المُلفت بقى، هو إن قنوات مُستقبلات البرد دي تحديدًا بتحتوي على بروتين اسمه “TRPM 8” والبروتين ده مثير جدًا للجدل ومش مِريح نفسه، وأبسط وصف مُمكن نوصفه بيه، إنه طفل زنان؛ وده لأنه بمجرد ما بيحس بأي درجة برودة حتى لو متوسطة، بيبدأ يصرخ للخلايا العصبية ويقولها إلحقيني أنا بتألم جدًا ومش قادر أستحمل، وفورًا بتبدأ الخلايا العصبية تقوم بدور الأم اللي بتسكت إبنها، وتحسس الجسم بالمشكلة، عشان تقوله معلش دفي نفسك عشان البروتين إبننا بردان وعامل دوشة.
والسيناريو ده بيحصل في الطبيعي لو الجو حواليك فيه نسبة برودة بسيطة، تخيل بقى في وسط البرودة البسيطة دي لو اتخبط في دراعك مثلاً أو في رجلك، البروتين ده هيعمل فيك إيه؟، طبعًا هيصرخ بصوت أعلى، وده حرفيًا اللي بيحصلك لما بتتخبط أثناء البرد، وصرخة البروتين للخلايا العصبية ماهي إلا الألم اللي بتشعر بيه.
المُفارقة الغريبة بقى في الموضوع هو إن في بروتين تاني، إسمه “TRPV 1″، والبروتين ده بيكون موجود في قنوات مُستقبلات الحرارة، لكنه بروتين رزين جدًا، وممكن نوصفه بإنه الأخ العاقل لبروتين البرودة اللي فات، والوصف ده مش من فراغ إطلاقًا؛ وده ببساطة لأن بروتين “TRPV 1” مش بينشط مع درجات الحرارة الهينة زي أخوه، ولكنه بينشط فقط لما درجة الحرارة تتعدى الـ 42 درجة مئوية، ومع درجة الحرارة دي بالتحديد بيبدأ يعلي صوته هو كمان، ويقول للخلايا العصبية “أنا بتألم”، لكن أقل كده مش بنسمع له صوت إطلاقًا، والسيناريو ده بقى على بعضه كده، هو السبب الأساسي اللي بيخليك تتألم بشكل طبيعي في أوقات الجو الحار، وبشكل أكبر في أوقات البرودة بالرغم من كونها نفس الخبطة، طيب هل الموضوع مُتوقف لحد كده؟، ياريت، ده فيه حاجة كمان.

طبيعة الجسم في البرودة مختلفة عن أوقات الحرارة

درجات الحرارة المنخفضة بوجه عام بتغير من طبيعة الجسم، وبجانب قصة البروتينات اللي اتكلمنا عنه، بيحصل تقريبًا أربع حاجات أساسية، أول حاجة هي إن الأنسجة حجمها بينكمش بشكل كبير بسبب البرد، وده بدوره بيزود من الضغط على الأعصاب، وتاني حاجة، ضغط الهوا نفسه في الشتا بيكون قليل، ومع الإنخفاض ده، الغازات والسوائل اللي بتبقى موجودة في المفاصل، بتتمدد وبتضغط هي كمان على الأعصاب، وبعد كده درجات الحرارة المُنخفضة بتكون قادرة إنها تسبب تشنجات في أنسجة المفاصل نفسها، وأخيرًا عروق الجسم هي كمان طبيعتها بتتغير وبتبقى أضيق، وبالتالي بتقل كمية الدم اللي بتوصل للأطراف، وكمية الدم القليلة دي بتسبب جفاف للبشرة، وبتخلي الأعصاب والمُستقبلات الحسية يتعرضوا للضغط، واللي بيفضل مُستمر طول ما درجة الحرارة مُنخفضة.
كل التغييرات دي بقى ليها دور مُباشر في إن حجم الألم يزيد مع إنخفاض الحرارة، طب هل الموضوع متوقف لحد كده؟، ياريت برده، لسه حاجة كمان.

تأثير وضعية الجسم

من الأشياء الغريبة جدًا هي إن وضعية جسمنا والطريقة اللي بنمشي بيها في البرد، ليها دور مُباشر في زيادة الألم اللي بنحس بيه، وضع الجسم وحركة الناس عمومًا بتتغير بشكل كبير خصوصاً في البرد، فمعظمنا في البرد مابنحسش بالراحة ولا الحرية في حركتنا، فتلاقينا ماشيين وإحنا مَحنيين لقدام، وأكتافنا واخدة الوضع الدائري، وإيدينا بتبقى في جيوبنا، ورجلينا ومشيتنا مبتختلفش كتير عن ماشية البطريق، فـ من الطبيعي جدًا بسبب التغيير ده، إن الضغط على عضلاتنا ومفاصلنا يكون أكبر من المألوف، واللي بدوره بيزود من أي ألم ووجع بنحس بيه.
وطبعا الأسباب ماخلصتش لحد كده، البرودة مؤثرة بشكل غير عادي، من ضمن التغييرات اللي بتحصل في البرد، هي نقص فيتامين د Vit.D؛ وده بسبب إن فيتامين د بيعتمد إعتماد مُباشر على ضوء الشمس عشان يتكون، وده أصلاً سبب تسميته بفيتامين الشمس، ووجود الفيتامين حيوي جدًا للحفاظ على صحة العظام والغضاريف، ومع نقص كميته، الألم بيبقى أسوأ وخصوصًا في وجود أي حالة مرضية؛ لإن في وقت المرض تحديدًا، أجهزة الإستشعار بتكون حساسة بشكل أكبر من الطبيعي.

دور علم النفس

وبالمُناسبة، علم النفس هو كمان بيلعب دوره في الظاهرة دي، إحساسنا بالألم من وجهة نظر العلماء، عبارة عن تركيبة بين بيولوجية الجسم وبيئته وعلم النفس، فـ حالتنا النفسية بدون أدنى شك قادرة إنها تخلي الألم يزيد أو يقل، وحالة الطقس ومستويات ضوء الشمس، وارد جدًا إنها تبقى سبب في الإصابة بمرض نفسي أو ما يُسمى إصطلاحًا بـ (إكتئاب الشتاء)، وبناءًا عليه، فـ ده ليه دور كبير جدًا في تحديد مستوى الألم اللي بيشعر بيه الشخص، حاجة كدا زي إنك اتخبطت وأنت فرحان فمحستش بيها أو اتخبطت وأنت زعلان فتحس بالوجع إنه شديد.
ومن ضمن الأسباب اللي بتساهم في زيادة الألم برده في الشتاء، هي قلة نشاط الأشخاص، وبتوصل لإنهم بيلغوا ممارسة الرياضة تمامًا من يومهم، والتغيير اللي بيحصل في حياة الأشخاص دول هو أسوأ شئ بالنسبة للجسم، وخصوصًا لو كان الشخص بيعاني بالفعل من أي ألم، فقلة التمارين هتسبب ضعف عام وحساسيته هتزيد.

نصائح لتجنب الألم في البرد

وأخيرًا بما إننا مش هنقدر نلغي البرد من حياتنا، ففي بعض النصائح اللي ممكن تساهم في إنك تتجنب الألم، بمقدر المُستطاع في البرد، حاول تحافظ على جسمك دافئ، وتلبس الهدوم المناسبة، وتفكر نفسك دايمًا وإنت ماشي، بالوضعية الصح اللي المفروض تكون ماشي بيها.
واللي بيوصي بيه بعض الأطباء إنك مُمكن تلجأ لمكمل غذائي موجود فيه فيتامين د Vit.D، أو إنك تزود في نظامك الغذائي الأكل اللي بيحتوي على كميات عالية من فيتامين د، وده زي الأسماك وخصوصًا التونة والسردين والسلمون، وصفار البيض، والمشروم والبروكلي والسبانخ وغيرهم كتير، وطبعًا تخصص جزء من يومك عشان تمارس الرياضة مهما كان الجو برد.

صَدق أو لا تصدق.. الألم دِرع حماية

في النهاية، خلينا ننوه على نقطة غريبة جدًا، لو إنت شخص بتنظُر لـ الآلم على إنه شئ سئ ومفيش منه أي فايدة، فـ إسمحلي أغيرلك وجهة نظرك، وأقولك إنك ظالم الشعور بالألم. الألم سواء في حالات البرودة أو الحرارة، أو غيرهم، هو الطريقة اللي جسمنا بيقولنا بيها إن في حاجة غلط بتحصل، والمُهمة دي اللي بيقوم بيها أجهزة الإستشعار، وبتكتشف أي مشكلة موجودة وبتنبه بوجودها، وبتلتقط كل المعلومات المُمكنه عن أجسامنا، وعن البيئة اللي بنكون موجودين فيها، وتبعت البيانات دي، لعقلنا، وفي حالة تعرُضنا لأي شئ ممكن يكون فيه خطورة، بتبدأ في الوقت ده أجهزة الإستشعار تبعت رسالة تحذيرية للجسم، والرسالة دي بقى بالنسبة لنا هي الألم.
الألم هو برهان على إن جسمك بيعمل بكل جُهده عشان يحافظ سلامتك، وفقدان القدرة على الشعور بيه، معناها إنك في مأزق حقيقي، فـ الحمدُ لله على نعمه التي لا تُحصى ولا تُعد، وخالص تمنياتنا بالسلامة والشفاء لكل شخص بيعاني من أحد مشاكل فقدان الألم.